تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يُتِمُّ الآيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ " (1) وَهَذَا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا يُلْزِمُ، وَلا بَيَّنَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ.


(1) - النسائي: الطهارة (265)، أبو داود: الطهارة (229)، ابن ماجه: الطهارة وسننها (594)، أحمد (1/ 84،1/ 107).

وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلا أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ، وَلا أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا هَذَا لا يَقُولُونَهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الآيَةِ؛ لأَنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ قَالَ لا يُتِمُّ الآيَةَ، أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ؛ لأَنَّهَا دَعَاوَى لا يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لا مِنْ قُرْآنٍ وَلا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلا سَقِيمَةٍ.

وَلا مِنْ إجْمَاعٍ وَلا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلا مِنْ قِيَاسٍ وَلا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، لأَنَّ بَعْضَ الآيَةِ وَالآيَةَ قُرْآنٌ بِلا شَكٍّ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى، أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى، وَأَهْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ يُشَنِّعُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، وَلا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الآيَاتِ مَا هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ {وَالضُّحَى} (1) وَ {مُدْهَامَّتَانِ} (2) وَ {وَالْعَصْرِ} (3) وَ {وَالْفَجْرِ} (4) وَمِنْهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ، فَإِذْ لا شَكَّ فِي هَذَا. فَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِمْ لَهُ قِرَاءَةَ آيَةِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَهَا وَلا يُتِمُّهَا، وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قِرَاءَةِ {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (5) أَوْ مَنْعِهِمْ لَهُ مِنْ إتْمَامِ (مُدْهَامَّتَانِ) لَعَجَبًا. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ أَمَدَ الْحَائِضِ يَطُولُ، فَهُوَ مُحَالٌ، لأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا لِلْقُرْآنِ حَرَامًا فَلا يُبِيحُهُ لَهَا طُولُ أَمَدِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا حَلالا فَلا مَعْنَى لِلاحْتِجَاجِ بِطُولِ أَمَدِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير