تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السبب الخامس: صفاء الجو وكدره. لست أعني إذا كان هناك حائل يمنع الرؤية كالغيم والقتر الهائج من الأدخنة والأبخرة، وإنما إذا كان الجو بحيث يمكن فيه رؤيته أمكن من بعض إذا كان الجو صافيا من كل كدر في مثل ما يكون في الشتاء عقب الأمطار في البرية الذي ليس فيه بخار بخلاف ما إذا كان في الجو بخار بحيث لا يمكن فيه رؤيته كنحو ما يحصل في الصيف بسبب الأبخرة والأدخنة؛ فإنه لا يمكن رؤيته في مثل ذلك كما يمكن في مثل صفاء الجو.

وأما صحة مقابلته ومعرفة مطلعه ونحو ذلك: فهذا من الأمور التي يمكن المترائي أن يتعلمها، أو يتحراه؛ فقد يقال: هو شرط الرؤية كالتحديق نحو المغرب خلف الشمس فلم نذكره في أسباب اختلاف الرؤية. وإنما ذكرنا ما ليس في مقدور المترائين الإحاطة من صفة الأبصار، وأعدادها، ومكان الترائي، وزمانه، وصفاء الجو، وكدره.

فإذا كانت الرؤية حكما تشترك فيه هذه الأسباب التي ليس شيء منها داخلا في حساب الحاسب فكيف يمكنه مع ذلك يخبر خبرا عاما أنه لا يمكن أن يراه أحد حيث رآه على سبع أو ثمان درجات أو تسع أم كيف يمكنه يخبر خبرا جزما أنه يرى إذا كان على تسعة أو عشرة مثلا؟!

ولهذا تجدهم مختلفين في قوس الرؤية: كم ارتفاعه. منهم من يقول تسعة ونصف، ومنهم من يقول .. ويحتاجون أن يفرقوا بين الصيف والشتاء، إذا كانت الشمس في البروج الشمالية مرتفعة أو في البروج الجنوبية منخفضة. فتبين بهذا البيان أن خبرهم بالرؤية من جنس خبرهم بالأحكام وأضعف، وذلك أنه هب أنه قد ثبت أن الحركات العلوية سبب الحوادث الأرضية. فإن هذا القدر لا يمكن المسلم أن يجزم بنفيه إذ الله -سبحانه- جعل بعض المخلوقات أعيانها وصفاتها وحركاتها سببا لبعض، وليس في هذا ما يحيله شرع ولا عقل، لكن المسلمون قسمان:

منهم من يقول: هذا لا دليل على ثبوته فلا يجوز القول به؛ فإنه قول بلا علم.

وآخر يقول: بل هو ثابت في الجملة؛ لأنه قد عرف بعضه بالتجربة، ولأن الشريعة دلت على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته لكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده) متفق عليه، والتخويف إنما يكون بوجود سبب الخوف فعلم أن كسوفهما قد يكون سببا لأمر مخوف، وقوله: (لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته) رد لما توهمه بعض الناس، فإن الشمس خسفت يوم موت إبراهيم فاعتقد بعض الناس أنها خسفت من أجل موته تعظيما لموته، وأن موته سبب خسوفها، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا ينخسف لأجل أنه مات أحد، ولا لأجل أنه حيي أحد".أهـ.

وقد أثبته غيره من العلماء كابن حجر -رحمه الله- حيث اشترط له ثلاثة شروط:

1 - أن يبلغ عدد الحُسَّاب مبلغ التواتر.

2 - وألا يختلفوا.

3 - وأن تكون مقدماتهم قطعية.

فعند ذلك لا يكون العمل بالحساب في رد شهادة الشهود من باب إعمال ما ألغاه الشارع واتفق عامة السلف على بطلانه، بل هو من باب رد شهادة الشهود إذا خالفوا الحس أو المقطوع به، وهذه مسألة أخرى غير مسألة العمل بالحساب دون الرؤية، بل هي متعلقة بعدالة الشهود أو ضبطهم، ولها نظائرها في مسائل عدة في الفقه في هذا الباب وغيره.

- ففي الفقه على المذاهب الأربعة:

"يثبت دخول شوال بإخبار عدلين برؤية هلاله سواء كانت السماء صحوا أو لا، ولا تكفي رؤية العدل الواحد في ثبوت هلاله، ولا يلزم في شهادة الشاهد أن يقول أشهد. فإن لم ير هلال شوال وجب إكمال رمضان ثلاثين، فإذا تم رمضان ثلاثين يوما ولم يرى هلال شوال فإما أن تكون السماء صحوا أو لا، فإن كانت صحوا فلا يحل الفطر في صبيحة تلك الليلة، بل يجب الصوم في اليوم التالي ويكذب شهود هلال رمضان، وإن كانت غير صحو وجب الإفطار في صبيحتها واعتبر ذلك اليوم من شوال.

قال الشافعية: إذا صام الناس بشهادة عدل وتم رمضان ثلاثين يوما، وجب عليهم الإفطار على الأصح سواء كانت السماء صحوا أو لا.

وقال الحنابلة: إن كان صيام رمضان بشهادة عدلين وأتموا عدة رمضان ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة الواحد والثلاثين وجب عليهم الفطر مطلقا. أما إن كان صيام رمضان بشهادة عدل واحد أو بناء على تقدير شعبان تسعة وعشرين يوما بسبب غيم ونحوه فإنه يجب عليهم صيام الحادي والثلاثين".أهـ.

- وقال النووي في "روضة الطالبين":

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير