تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"إذا صمنا بقول واحد تفريعا على الأظهر ولم نر الهلال بعد ثلاثين، فهل نفطر؟ فيه وجهان أصحهما عند الجمهور نفطر، وهو نصه في "الأم" ثم الوجهان جاريان، سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة. هذا مقتضى كلام الجمهور، وقال صاحب "العدة" وحكاه صاحب "التهذيب" الوجهان إذا كانت السماء مصحية، فإن كانت مغيمة أفطرنا قطعا.

ولو صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال بعد ثلاثين، فإن كانت مغيمة أفطرنا قطعا، وإن كانت مصحية أفطرنا أيضا على المذهب الذي قطع به الجماهير، ونص عليه في "الأم" وحرملة، وقال ابن الحداد: لا نفطر، ونقل عن ابن سريج أيضا.

وفرَّع بعضهم على قول ابن الحداد فقال: لو شهد اثنان على هلال شوال ولم نر الهلال والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا أول يوم أفطرناه؛ لأنه بان كونه من رمضان، لكن لا كفارة على من جامع فيه؛ لأن الكفارة تسقط بالشبهة وعلى المذهب لا قضاء".

- وقال ابن قدامة -رحمه الله-:

"وإن شهد أربعة بالزنى بامرأة، فشهد ثقات من النساء أنها عذراء، فلا حد عليها ولا على الشهود، نص عليه، وبهذا قال الشعبي والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال مالك عليها الحد، لأن شهادة النساء لا مدخل لها في الحدود، فلا يسقط بشهادتهن، ولنا أن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنى ظاهرا؛ لأن الزنى لا يحصل بدون إيلاج في الفرج ولا يتصور ذلك مع بقاء البكارة، لأن البكر هي التي لم تُوطأ في قُبُلِها وإذا انتفى الزنى لم يجب الحد، كما لو قامت البينة بأن المشهود عليه بالزنى مجهول.

وإنما لم يجب الحد على الشهود لكمال عدتهم مع احتمال صدقهم، فإنه يحتمل أن يكون وطأها ثم عادت عذرتها فيكون ذلك شبهة في درء الحد عنهم، غير موجب له عليها، فإن الحد لا يجب بالشبهات ويكتفى بشهادة امرأة واحدة؛ لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال، فأما إن شهدنا بأنها رتقاء أو ثبت أن الرجل المشهود عليه مجبوب فينبغي أن يجب الحد على الشهود لأنه يتيقن كذبهم في شهادتهم بأمر لا يعلمه كثير من الناس فوجب عليه الحد". أهـ.

فهذه النقول تثبت أن مسألة رد شهادة الشهود لوجود دليل أو قرائن تقدح في شهادتهم عند القاضي مسألة معمول بها عند أهل العلم الذين يمنعون من العمل بالحساب، وبهذا تعلم أن هذه المسألة على الأقل من مسائل الخلاف السائغ، بل الراجح -إن شاء الله- أن شهادة الشهود المخالفة للحس، ولكل ما هو أقوى منها مردودة؛ إما لعدم عدالة الشهود أو لعدم ضبطهم، وطالما أخذ المفتي أو القاضي أو الحاكم أو الهيئة التي أنيطت بها مسألة إثبات الرؤية من عدمها بمذهب سائغ الاتباع واتبعهم أهل المحلة على مذهبهم فيلزم الجميع العمل بذلك، وإلا خالفوا قول رسول -صلى الله عليه وسلم-: (الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس)، وعلى أقل الأحوال فمن خالفهم لا يجوز له الجهر بالمخالفة بزعم أنه ينكر بدعة العمل بالحساب ويظهر سنة العمل بالرؤية.

يبقى أن نبين أن مذهب دار الإفتاء المصرية في مسألة العمل بالرؤية أنها لا تعتمد على الحساب في إثبات الشهر دون رؤيته، بل تخرج اللجان المختلفة لرؤية الهلال في مواضع مختلفة من القطر المصري، ولكنها لا تعتد برؤية تخالف الحساب المقطوع به عندها، ثم مذهبها في مسألة اختلاف المطالع أنها ترى أنه إذا ثبتت الرؤية في بلد يلزم جميع البلاد التي تشترك معها في جزء من الليل، لكنها تشترط نفس الشرط وهو عدم مخالفة الحساب المقطوع به، وإلا لزم رد شهادة الشهود وعندها فلا تعتد برؤية الأقطار الأخرى ما لم تثبت رؤية يمكن أن تكون صحيحة حسب الحساب المقطوع به.

وأنا أذكر واقعة حصلت زمن الشيخ جاد الحق -رحمه الله-، في عام أثبتت فيه الحسابات وجود الهلال وإمكان رؤيته، ومع ذلك لم تثبت أي لجنة من اللجان ولا تقدم أحد من الشهود برؤية الهلال، وظل الشيخ رافضا لإعلان ثبوت الشهر بالحساب حتى أعلنت إحدى الدول المجاورة رؤية الهلال بعد العشاء بمدة، فأعلن الشيخ جاد الحق ثبوت رؤية الهلال برؤية البلد المجاور؛ لأنها رؤية لا تخالف الحساب، وإن كانت في بلد آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير