ثُمَّ قال تعالى ذكرُه: ? وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ? [الأَعْرَاف 46 - 47].
قال الشَّوكانِيُّ: (وقدِ اختَلَفَ العلماءُ في أصحابِ الأعرافِ: مَنْ هُمْ؟ فقيلَ: هُمُ الشُّهداءُ. وقيلَ: هُمْ فضلاءُ المؤمنينَ. وقيلَ: هُمُ الأنبياءُ. وقيلَ: قومٌ استَوتْ حسناتُهم وسيّئاتُهم. وقيل: العَبَّاسُ وحمزةُ وعَلِيٌّ وجَعْفَرٌ. وقيل: الملائكةُ).
وقال الزَّمَخْشَريٌّ: (رجالٌ منَ المُسلمينَ، مِن آخرِهم دخولاً في الجَنَّةِ لقصورِ أعمالِهم، كأنّهم المُرْجَوْنَ لأمرِ الله، يُحبسونَ بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ إلى أنْ يأذَنَ اللهُ لهم في دُخولِ الجَنَّةِ) اهـ.
وقال أبو السُّعودِ: (طائفةٌ مِنَ الموحّدينَ قصَّروا في العملِ، فيجلسونَ بينَ الجَنِّةِ والنَّارِ حتَّى يقضيَ اللهُ تعالى فيهم ما يشاءُ. وقيل: قومٌ عَلَتْ دَرجاتُهُم كالأنبياءِ والشُّهداءِ والأخيارِ والعُلماءِ منَ المؤمنينَ، أو ملائكةٌ يُرَوْنَ في صورِ رجالٍ) اهـ.
[10]-: ?ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ? [فَاطِر: 32]؛
قال ابنُ كَثيرٍ: (ثُمَّ جَعلْنَا القائمينَ بالكِتابِ العظيمِ ـ المُصَدِّقِ لما بينَ يديْهِ مِنَ الكُتُبِ ـ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، وهم هذه الأُمَّةِ، ثُمَّ قسَّمهم إلى ثلاثةِ أنواعٍ، فقال تعالَى:
1 - ? فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ?؛ وهو المُفرّطُ في بعضِ الواجِبَاتِ، المُرتَكِبُ لبعضِ المُحرّماتِ.
2 - ? وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ?؛ وهو المؤدِّي للواجِبَاتِ، التَّاركُ للمُحرّماتِ، وقد يَتركُ بعضَ المُستحبّاتِ ويفعلُ بعضَ المكروهات.
3 - ? وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ ?؛ وهو الفاعلُ للواجِباتِ والمُستَحبَّاتِ، التَّاركُ للمُحرّماتِ والمكروهات وبعض المُباحاتِ.
هذا ما يسَّرَ اللهُ في بيانِ وجهِ الحَقِّ في تفسيرِ وتأويلِ بعض الآياتِ التي ذكرتَ وهي تدلُّ على قضيّةٍ طالما طُرِحتْ، ألاَ وهي: التَّعَسُّفُ في فَهْمِ القرآنِ الكريمِ، ولَيُّ أعناقِ النُّصوصِ. بل إنْ قلتُ: والعبثُ بكتابِ الله تعالَى؛ لَمَا كانَ بعيدًا!
وأخيرًا أقولُ: لقد أغفلتَ كثيرًا من الآياتِ التي نصَّ عُلماؤُكم على أنها نزلتْ في الأئمّةِ، وإليكَ بعضَ ما تركتَ:
1 - ?وَقَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ... ? [النَّحْل:51]؛قال أبو عبد الله: يعني بذلك: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد)!. اه (تفسير البرهان).
2 - ?وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا? [الفُرْقَان: 55]؛
قال القميُّ في (تفسيرهِ): (الكافر الثّاني (يعني عُمَرَ) وكان على أمير المؤمنين ظهيرًا) يعني عليًا.
3 - ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ ... ? [الأَعْرَاف: 180]؛ عن أبي عبدِ الله قال: (نحنُ –واللهِ- الأَسْمَاءُ الحُسْنَى الذي لا يقبلُ مِن أحدٍ إلاّ بمعرفتِنا).اه (تفسير البرهان).
4 - ? وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ? [الجِنّ: 18]؛ قال الصَّادقُ: (إنّ الإمامَ مِن آلِ مُحَمّدٍ فلا تتخذوا مِن غيرِهم إمامًا!).اه (تفسير البرهان وتفسير الصّافي).
5 - ? وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ... ? [الزُّمَر: 69]؛ قال الصَّادقُ: (رب الأرض يعني إمام الأرض!!). اه (تفسير البرهان وتفسير الصّافي).
ولعلّي هنا أذكر هنا بعض الآيات التي حاد عنها- أو جهلها المتروك وأحلاهما مر- والتي فُسرت بمثل هذه التفسيرات، ولكنها –والله- تنقّص وإهانة واستهزاء بآل البيت شعرتم أم لم تشعروا ولعله لهذا حاد عن ذكرها المتروك:
1 - قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} , قالوا (البعوضة) هو: علي بن أبي طالب رضي الله عنه!! , وقالوا (فما فوقها) هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!! , وقد ذكر ذلك شيخهم القمي في تفسيره ج1 ص 34.
وهذا التفسير فيه من الاستهزاء بعلي -رضي الله عنه- وتنقيص لقدره فإن من المعروف أن البعوضة غالبا ما يُضرب بها المثل للدلالة على حقارة الممثَل له وتفاهته , فكيف يُتصور أن يُنزل علي بن أبي طالب رضي لله عنه مثل هذه المنزلة وهذه الإساءة إلى علي -رضي الله عنه- , وهذا ليس بمدح له أبداً.
2 - قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج، آية: 73.].
ففي (مرآة الأنوار) ص150 الذباب: علي بن أبي طالب!!
وما أدري ما السر في إطلاق أسماء أحط الحشرات على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه وأرضاه - من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟!.
وأظنُّ أنّ في هذا كفايةً، وإنْ أردتَ المزيدَ؛ فأنا على استعدادٍ تامٍّ، ولا أظنُّكَ تخفَى عليكَ هذه الرواياتُ، ولكنّكَ تركتَها لحاجةٍ في نفسِكَ، اللهُ أعلمُ بها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
¥