تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

***لما جاء سهيل بن عمرو وأراد أن يكتب مع النبي صلى الله عليه وسلم صيغة الكتاب، كان من جملة ما كتب: وإذا جاءك رجل منا وإن كان على دينك رددته إلينا، وإن جاءنا رجل منكم ترك دينه لا نرده إليك، فصاح الصحابة وقالوا: سبحان الله! كيف يأتينا مسلم فنرده؟! فلم يكد يكتب هذا الشرط حتى جاء أبو جندل، وهو ابن سهيل بن عمرو الذي يكتب الكتاب مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان قد أسلم، فعذبه أبوه عذاباً شديداً في الله، ولم يترك دينه، ولم ينكث على عقبيه، ولم يتخلَّ عن دينه، فقيده بالحديد ورماه في سجن، فاستطاع أبو جندل أن يفك بعض قيوده، ولكنه لم يستطع أن يفك الحديد كله، وجاء من أسفل مكة إلى الحديبية -وهي مسافة بعيدة- يجر أغلاله وقيوده، حتى جاء فألقى نفسه بين أيدي المسلمين، وكان قد عُذب في الله عذباً شديداً، فعندما رأى سهيل بن عمرو ابنه أبا جندل قال: يا محمد! هذا أول ما أقاضيك به، أي: نحن لازلنا نتكلم: إذا جاءك رجل منا وكان على دينك ترده إلينا، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنا لم نفض الكتاب بعد -أي: ما كتبناه- قال: لا. قال: فأجده لي -أي: اتركه لي نستثنيه من الكتاب- قال: لا أفعل، إذاً: لا نكتب كتاباً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع).

وفي الصحيح أيضاً من حديث سهل بن سعد أنه قال للناس يوم صفين في قتال علي بن أبي طالب: (أيها الناس! اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو استطعت أن أرد كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفعلت)؛ لأنه قال له: ارجع. ضع نفسك مكان الصحابة: رجل جاء من أسفل مكة يجر قيوده مسلماً، وقد عذب العذاب الأليم في الله فلم يترك، بل دفعه قلبه وهمته العالية أن يتخلص من بعض أغلاله ويمشي هذه المسافة الطويلة يجرها، إن الإسلام تغلغل حتى مس شغاف قلبه؛ فرأى أن هذا الدين لا يباع، وأنها ساعة بعدها يحط المسلم رحله في الجنة وينسى بؤسه قط، قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأبأس أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسة واحدة، ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت بؤساً قط)

فمن الذي آذاك ... !!!

من الذي ضايقك ... ؟؟؟

كان مصعب بن عمير رضي الله عنه، من أعطر شباب قريش، وكان يلبس الحرير، وكان ذا وجاهة بين أبويه وفي قومه، فلما أسلم ترك كل ذلك وفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الرعيل الأول الذي دخل دار الأرقم، وهو أول سفير ومعلم وناشر للإسلام خارج حدود مكة، وكفاه شرفاً بذلك .. كفاك شرفاً أن تكون أول الداعين إلى خلة ماتت: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد:10]، لا يستوي الذي أنفق في وقت عز فيه النصير، مع الذي نصر دين الله لما دخل الناس فيه أفواجاً، لا يستوون!! ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير -فيما ذكر- رث الثياب، بكى، وهو يذكر ماضيه، لكنه ترك ذلك محبة لله عز وجل وطمعاً فيما عنده. روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قدم له طعام وكان صائماً، وذلك بعد أن استشهد مصعب رضي الله عنه في غزوة أحد، فقال عبد الرحمن: (قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكان عليه بردة إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجله بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني .. فلا زال يذكر السالفين ويبكي حتى ترك الطعام) هذه هي الأسوة، والذي يتأسى هو عبد الرحمن بن عوف أحد السابقين الأولين من المهاجرين، لكنه يذكر إخوانه الذين سبقوه ..

وخذ هذه ... ولتبك على نفسك ... وعلى همتك ...

وهذا ابن النابلسي أحمد بن محمد بن سهل الرملي دعاه الخليفة العبيدي، وبنو عبيد كانوا قد غيروا الدين، وأزالوا الملة، وقتلوا الصالحين، فلما حضر ابن النابلسي الرملي قال له الخليفة: بلغني أنك تقول: إذا كان للرجل عشرة أسهم فيرمي فينا واحداً وفي الروم تسعة، فهل هذا الكلام صحيح؟ قال: لم أقل هكذا، بل قلت: يرمي فيكم تسعة ويرمي العاشر الروم، فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين. فأمر بيهودي فسلخه وهو حي -وهذه قصة صحيحة ومشهورة- فكان يذكر الله وهو يسلخ حتى وصل إلى رأسه، فقال ابن النابلسي: كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء:58]، وكان الدارقطني -إمام المسلمين في زمانه- إذا ذكر ابن النابلسي يبكي، كيف أنه جاد بنفسه! ومن أين له هذا الصبر؟! يسلخ حتى إذا وصل إلى رأسه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير