و الحظ على التفكر و الاعتبار كثير في القرآن، عظيمٌ نفعه في الإيمان و اليقين، و لكن الهوى إذا غلب الإنسان صرفه عن الحق و الهدى وعن راحة نفسه في الدين و الدنيا بمعرفة ما يعينه على الثبات على الدين و السير على منهاج الصادقين و لهذا ذم الله عز وجل الهوى في آيات كثيرة كقوله تعالى {إن يتبعون إلا الظن و ماتهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} وقوله تعالى {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} حتى جعله إلهاً يعبد، قال تعالى {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} الآية …، وبالهوى تظالم الناس و عصوا ربهم ...
و كان بعض الصالحين من السلف ربما جاءوا إلى القبور فتفكروا في أصحابها و كيف أنهم صاروا بعد الحركة إلى السكون وبعد القوة إلى الضعف والدود وبعد السكن الجميل والمنزل الأنيق إلى حفرة محدودة فلا أنيس إلا العمل الصالح. وربما وجد الرجل منهم في قلبه قسوة فيبحث عن فقير صالح يجالسه هكذا سعياً في إصلاح القلب إذ هو يمرض كالبدن وأشد.
استعمال العقول دليل على صحتها، و صحتها وقوتها من أسباب فلاح الإنسان إذا ساعده التوفيق
قال الحسن البصري: (ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله).
ومن كلام المفسرين
وفي تفسير ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية كلام مفيد قال رحمه الله:
(ويتفكرون في خلق السموات والأرض أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته، وقال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والإعتبار.
وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وقال الفضيل: قال الحسن الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك وقال سفيان بن عيينة: الفكر نور يدخل قلبك وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة
وعن عيسى عليه السلام أنه قال طوبى لمن كان قيله تذكرا وصمته تفكرا ونظره عبرا. قال لقمان الحكيم: إن طول الوحدة أَلهم للفكرة وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة قال وهب بن منبه: ما طالت فكرة أمرئ قط إلا فهم ولا فهم أمرؤ قط إلا علم ولا علم أمرؤ قط إلا عمل. وقال عمر بن عبد العزيز: الكلام بذكر الله عز وجل حسن والفكرة في نعم الله أفضل العبادة ..... ).
وقال عبد الله بن المبارك مر رجل براهب عند مقبرة ومزبلة، فناداه فقال يا راهب إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما معتبر كنز الرجال وكنز الأموال.
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله:
(وأما قوله ويتفكرون في خلق السموات والأرض فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شيء،ومن هو مالك كل شيء ورازقه وخالق كل شيء ومدبره من هو على كل شيء قدير وبيده الإغناء والإفقار والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة والشقاء والسعادة.
القول في تأويل قوله تعالى: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) يعني بذلك تعالى ذكره ويتفكرون في خلق السموات والأرض قائلين ربنا ما خلقت هذا باطلا فترك ذكر قائلين إذ كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه، وقوله ما خلقت هذا باطلا يقول لم تخلق هذا الخلق عبثا ولا لعبا لم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، وإنما قال ما خلقت هذا باطلا ولم يقل ما خلقت هذه ولا هؤلاء لأنه أراد بهذا الخلق الذي في السموات والأرض يدل على ذلك قوله سبحانك فقنا عذاب النار ورغبتهم إلى ربهم في أن يقيهم عذاب الجحيم .... ).
فمن صفة من صفة المؤمنين: (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) آل عمران (190 – 190).
اللهم اجعلنا ممن رزق عقلا رشيدا و استعمله بتوفيقك فزاد إيمانه و ارتفعت درجاته ..
قولوا آمين.