[طالب العلم ........ والتصنيف]
ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 03:52 م]ـ
في أحد الأيام الخوالي كنت عند شيخنا عبدالله بن غديان ـ حفظه الله ـ، فسأله أحد الطلبة: ما الفرق بين "العمل " و " الفعل " عند الأصوليين ـ وهي من دقيق المباحث ـ؟، فأجاب الشيخ: " هذه مسألة أبحث عن جوابها منذ أربعين سنة " فيا لله العجب!
وسئل مرة:"لِمَ لا تصنف "؟، فقال: لم أتأهل بعد!
وقد أذكرني جواب الشيخ الأول كلاماً للقرافي شهاب الدين، فقد ذكر أنه أقام ثمان سنين يبحث في الفرق بين " الشهادة " و " الرواية "، وهو أول فرق افتتح به كتابه الماتع "الفروق ".
وما لنا نعجب من القرافي، وهذا إمامه "مالك بن أنس " يقول:" إني لأفكر في مسألة منذ بضعة عشر سنةً، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن. [الديباج 1/ 111]
وأصحابنا في هذا الزمان على طرائق متعددة: إما مصنفٌ لم يتأهل، أو متأهلٌ لم يصنف، وقليلٌ من جمع بينهما، وهذا الأخير و إن كان بحمد الله موجوداً، إلا أننا نضرع إلى الله أن يزيد سواده.
وليس مقصود هذه المقالة سوى تشجيع المتأهلين من إخواني على التصنيف، مع غاية التحري، وحسن الضبط، وحث غيرهم على الاستئناء والتمهل، فرب عجلة تهب ريثا، وكم من إمام سلفيّ غسل كتبه بالماء، أو دفنها في دهناء.
وقد حفلت كتب السير بأحوال العلماء في تآليفهم، وكثيراً ما يذكر أن فلاناً ألّف سفره الفلاني في خمسين عاماً، أو ما يقاربها.
قال في كشف الظنون بعد أن ذكر أقسام المصنفين:
" ومنهم من جمع وصنف للاستفادة لا للإفادة، فلا حجر عليه، بل يرغب إليه إذا تأهل، فان العلماء قالوا:
" ينبغي للطالب أن يشتغل بالتخريج والتصنيف فيما فهمه منه، إذا احتاج الناس إليه .......... مبينا مشكلة، مظهرا ملتبسه، كي يكتسبه جميل الذكر وتخليده الى آخر الدهر.
فينبغي ان يفرغ قلبه لأجله إذا شرع، ويصرف إليه كل شغله، قبل أن يمنعه مانع عن نيل ذلك الشرف، ثم إذا تم لا يخرج ما صنفه الى الناس، ولا يدعه عن يده الا بعد تهذيبه وتنقيحه وتحريره واعادة مطالعته، فإنه قد قيل: "الإنسان في فسحة من عقله، وفي سلامة من أفواه جنسه، ما لم يضع كتابا، أو لم يقل شعرا، و قد قيل: من صنف كتابا فقد استشرف للمدح والذم، فان أحسن فقد استهدف من الحسد والغيبة، وان أساء فقد تعرض للشتم والقذف ... "
إلى أن قال:" ومن الناس من يكره التصنيف في هذا الزمان مطلقا، ولا وجه لإنكاره من أهله، وانما يحمله عليه التنافس والحسد الجاري بين أهل الإعصار، ولله در القائل في نظمه:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا ........ ويرى للأوائل التقديما
ان ذاك القديم كان حديثاً .......... وسيبقى هذا الحديث قديما
واعلم ان نتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات الأنظار لا تنتهي الى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له، وليس لأحد أن يزاحمه فيه، لان العلم المعنوي واسع كالبحر الزاخر، والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر، والعلوم منحٌ إلهية، ومواهب صمدانية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين، فلا تغترّ بقول القائل: ماترك الأول للآخر، بل القول الصحيح الظاهر: كم ترك الأول للآخر ...... "
إلى أن قال:" ويقال ليس بكلمة أضرّ بالعلم من قولهم: ما ترك الأول شيئاً، لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم ... " اهـ[كشف الظنون]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:49 م]ـ
بسم الله
من المهم لطالب العلم أن يعود نفسه على التصنيف والبحث؛ فهذا من العوامل المهمة التي تبني شخصية طالب العلم الجاد.
وأذكر هنا كلمة أعجبتني، ذكرها الأسنوي في ترجمة الإمام النووي رحمه الله عندما ذكر سبب كثرة مصنفاته مع تقدم وفاته، فقال:
جعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً.
ـ[أبو السمح سهل الناصح]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:49 م]ـ
و ما يحصرني الان ان الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله سئل عن سبب عدم اشتغاله بالتاليف فقال: ما كتبه السلف فيه بركة اةو كما قال
ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[20 - 12 - 04, 07:08 ص]ـ
قال الزركشي في المنثور (1/ 95):
(قال الهروي في الإشراف: قال القاضي الحسين: أشكلت علي هذه المسألة منذ نيفٍ وعشرين سنة، لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي، فذكرت مرة: إن تأكد الحكم بالتسليم لم ينقض، وإلا فوجهان، كما في رجوع الشهود على قول، ثم استقر رأيي على أنه لا ينقض، سواء كان قبل التسليم أو بعده) اهـ.
وهو أيضاً في: الأشباه للسيوطي (104).
والمسألة المشار إليها هي: من مسائل قسمة الإجبار، وهي ما لو أقام الخارج بينةً، وحُكم له بها، وصارت الدار في يده، ثم أقام الداخل بينةً حكم له بها، ونقض الحاكم الأول، لأنه إنما قضي للخارج لعدم حجة صاحب اليد، هذا هو الأصح في الرافعي.
والإشراف هذا: لعله " الإشراف على غوامض الحكومات " لأبي سعد الهروي، شرح فيه أدب القضاء؛ لأبي عاصم العبادي الهروي.