لست - بحمد الله - ممن يرى تقسيم الحديث إلى ثلاث درجات، بل هو إما محفوظ و إما غير محفوظ، لكن قولنا هذا لا ينافي أن المحفوظ نفسه يتفاوت و ما أظنك تخالف في هذا، فمثلا: هل نجعل رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده كرواية مالك عن نافع عن ابن عمر، الجواب: لا، ما الذي يتفاوت فيهما، هو حال رواتهما من الجلالة و الحفظ و الشهرة و غير ذلك ..
و لذلك أخي الكريم تجد البخاري أحيانا عند حكمه على بعض الأحاديث يقول (أرجو أن يكون محفوظا)
و غيره قد يصححه، و آخر قد يضعفه، و هكذا قل:
في الأحاديث التي يتجاذب فيها الحفاظ الحكم، فالمراد تفاوت درجات الأحاديث قوة و صحة، هذا لا يختلف عليه، و هذا المراد بقولي يحسن، لا على طريقة المتأخرين الذين جعلوا جميع ما يرويه الصدوق و وسط الحديث و من كان دون الثقة قليلا حسنا يريدون مرتبة بين الصحة و الضعف، فهذا لا نراه، و قد بينته في تعقيب لي على محاضرة للدكتور الطحان حول الصدوق عند المتقدمين و المتأخرين ..
و متعلق المسألة بمعرفة منهج النقاد، فهم إنما حكموا على الراوي بوصف دون الثقة قليلا بناء على ملاحظاتهم في مروياته، فكلما كان عن وصف الثقة أبعد كان إلى وصف الضعف أقرب ..
لكن جرينا اليوم على اصطلاحات المتأخرين في تقسيمهم من باب التسمية، لا من باب حقيقة الأمر، فالأمر كله يرجع إلى كون هذه الرواية محفوظة أم لا؟؟
فمثلا: لو جاءنا مثل الراوي المختلف فيه أو من قيل فيه قولا واحدا لكنه دون الثقة، و قال الأئمة في حديث له: منكر أو ما شابهه فالحكم على حديثه هو الأصل، لأنه سبق بيان حاله ..
و قد بينت متى يمكن أن يستفاد من ذلك التقسيم، بقولي:
في الرواة الذين قلت مروياتهم و لا يمكن معرفة أحوالهم و الوقوف عليها بدقة، أو كانت رواياتهم في الغالب عن غير المشاهير، أو في باب المأثور من التفسير و المغازي و غيرها مما يتساهل فيه و لا يتشدد، ففي هاته المواطن:
تجدها نافعة، بل نافعة جدا.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[12 - 03 - 03, 04:34 ص]ـ
هذا كلام طيّب. لكن المتأخرين لا يلتزمون بذلك، وليتهم فعلوا. وإليك مثالاً:
قال ابن الهمّام في فتح القدير (1\ 67): «وأخرج الدارقطني عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: "إنما حَرَّم رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) من الميتة لحمَها، فأما الجلد والصوف فلا بأس به". وأعَلّهُ (أي الحافظ الدارقطني) بتضعيف عبد الجبار بن مسلم، وهو ممنوع (!!). فقد ذكرَه ابنُ حبان في "الثقات". فلا ينزل الحديث عن الحسن (!)».
وأظن هذا مثال كاف لفهم منهج المتأخرين في الاحتجاج بالموضوعات.