تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثانيهما: أنّه على تقدير تسليم العموم فيه فليس هذا من باب العامين المتعارضين، بل الأحاديث الدالة على ترجيح فعل النافلة في البيوت أخصّ بالنسبة إلى الصلوات، وإن كان قد خرج منها بعض النافلة، فهي خاصة من حيث اعتبار النفل والفرض، وتناولها للنفل فقط وإن كانت عامة في جميع صلوات النفل وقد خرج بعضها بدليلٍ فلا ينافي ذلك كونها خاصة بالنسبة إلى جميع أنواع الصلوات، فصلاة النفل نوع بالنسبة إلى مطلق الصلاة، جنس بالنسبة إلى أفرادها من الرواتب وغيرها [6/ أ] وما شرع فيه الجماعة (). ثم هي متناولة لمحل النزاع وهو الصلاة في مسجد النبي ? الذي هو أحد المساجد الثلاثة بطريق التنصيص، وذلك في حديث عبد الله بن سعد الذي تقدم ذكره والتنبيه عليه ().

وفيما أخرجه أبو داود في سننه قال: حدثنا أحمد بن صالح () ثنا عبد الله بن وهب () أخبرني سليمان بن بلال () عن إبراهيم بن [أبي] () النضر () عن بسر بن سعيد () عن زيد بن ثابت ? أن النبي ? قال: ((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة)) ().

وهذا إسناد على شرط البخاري سوى إبراهيم بن أبي النضر، فقد احتج بهم كلهم سواه، وإبراهيم هذا وثّقه محمد بن سعد () وأبو حاتم بن حبان ()، ولم يضعفه أحد، وقد ثبَّته الإمام أبو عمر بن عبد البر واحتج به فقال في كتاب الاستذكار:

اختلفوا في الأفضل في القيام مع الناس أو الانفراد في شهر رمضان؟ فقال مالك والشافعي: المنفرد في بيته في رمضان أفضل، قال مالك: وكان ربيعة () وغير واحد من علمائنا () ينصرفون ولا يقومون مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل ذلك، وما قام رسول الله ? إلا في بيته ().

قال (): واحتج الشافعي بحديث زيد بن ثابت ? أن النبي ? قال في قيام رمضان: ((أيها الناس صلّوا في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) ()، قال الشافعي: ولا سيما مع رسول الله ? وفي مسجده على ما في ذلك من الفضل.

قلت (): فهذا نص من الشافعي ? على ترجيح النافلة في البيوت على فعلها في مسجد النبي ? لدلالة القصة والأحاديث عليه. ثم قال ابن عبد البر:

وروينا عن [ابن] () عمر ? وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع أنّهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس ()، وجاء عن عمر () وعلي رضي الله عنهما أنّهما كانا يأمران من يقوم للناس [6/ ب] في المسجد، ولم يجئ عنهما أنّهما كانا يقومان معهم ().

ثم ذكر عن الليث بن سعد () وأحمد بن حنبل () والمزني () والمتأخرين من أصحاب أبي حنيفة () والشافعي () أنّهم اختاروا قيام شهر رمضان في المسجد، وما احتجوا به، ثم قال:

وقد احتج أهل الظاهر في ذلك بقول رسول الله ?: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)) () ويروى: ((بسبع وعشرين درجة)) () ولم يخصّ فرضاً من نافلة.

قال: وهذا عند أكثر أهل العلم في الفريضة، والحجة لهم قوله ? في حديث زيد بن ثابت ?: ((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة)) () قال: وهذا الحديث وإن كان موقوفاً في الموطأ () على زيد بن ثابت فإنه قد رفعه جماعة ثقات، فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي ? والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا؟ ولهذا كان مالك والشافعي رحمهما الله ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل في [كلّ] () نافلة، فإذا قامت الصلاة في المسجد () في رمضان ولو بأقل عدد فالصلاة حينئذ في البيت أفضل. انتهى كلام ابن عبد البر ().

وقال أيضاً في موضع آخر من هذا الكتاب:

وفيه أيضاً - يعني حديث زيد بن ثابت المذكور - دليل على أنّ الانفراد بكلّ ما يعمله المؤمن من أعمال البر ويسره ويخفيه أفضل، ولذلك قال بعض الحكماء: إخفاء العلم هلكة، وإخفاء العمل نجاة. [و] () قال الله عز وجلّ [في الصدقات] (): ? وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ? () وإذا كانت النافلة في البيوت أفضل منها في مسجد رسول الله ? فما ظنك بها في غير ذلك الموضع، [إضافة] () إلى ما في صلاة المرء في بيته من اقتداء أهله به من بنين وعيال، والصلاة في البيت نور [له] ().

وقال الماوردي في كتابه الحاوي:

قال الشافعي ? [7/أ]: ((وأمّا قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحبّ إليّ () منه)) وفيه تأويلان لأصحابنا:

أحدهما: أنّه أراد بذلك أن قيام شهر رمضان وإن كان في جماعة ففي النوافل التي تفعل فرادى ما هو أوكد منه، وذلك الوتر وركعتا الفجر. وهذا قول أبي العباس ابن سريج ().

والتأويل الثاني: أنّ صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أفضل إذا لم يكن في إفراده تعطيل الجماعة، وهو قول أكثر أهل العلم ()، وإنّما كان ذلك [كذلك] () لرواية زيد بن ثابت ? أنّ النبي ? قال: ((صلوا في بيوتكم؛ فإن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة)) () فأما إن تعطلت الجماعة بانفراده فصلاته في الجماعة أفضل، لما في تعطيلها من إطفاء نور المساجد وترك السنة المأثورة ()، وهذا منه اختيار.

الوجه الثالث المقابل بالتفضيل في صلاة التراويح وهو: أنّه إن كانت الجماعة تتعطل بغيبته، أو كان إذا خلا في بيته يغلبه النوم أو الكسل فلا يصلي، ففعلها في الجماعة أفضل، وإلا فالانفراد بها أفضل ().

وما اختاره من تأويل نصّ الشافعي فهو أظهر من التأويل الذي قبله، ومن الأصحاب من قال بترجيح الانفراد بها مطلقاً، ومنهم من اختار فعلها في الجماعة مطلقاً، وهو الذي رجح الشيخ محيي الدين كما سبق.

وليس ذلك لترجيح فعل النافلة في المساجد على فعلها في البيوت، بل لمشروعية الجماعة في قيام رمضان، وما شرعت فيه الجماعة فإظهاره وفعله خارج البيوت أفضل، وأمّا ما لم تشرع فيه الجماعة ولم يكن له اختصاص بالمسجد كتحية المسجد، ولا ورد الشرع بفعله فيه كركعتي الطواف، ففعله في البيوت أفضل وإن كان في أحد المساجد الثلاثة كما سبق تقريره، والله سبحانه أعلم والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وسلامه.

انتهت الرسالة

يتبع الهوامش

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير