والملاحظ في هذه الآية: أن الله تعالى جعل للتي لم تحض – بسبب صغرها وعدم بلوغها – عدة لطلاقها وهي ثلاثة أشهر وهذا أبلغ دليل على أن الله تعالى جعله زواجا معتدا به.
- قال الطبري رحمه الله: “ تأويل الآية: {واللائي يئسن من المحيض… فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} يقول: وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول “.
(14/ 142) ومثله قال ابن كثير (4/ 402}، والقرطبي (18/ 165) وغيرهما.
- قال شيخ الإسلام المرأة لا ينبغي لأحد إن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كرهت ذلك لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ، ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين” أ. هـ
" مجموع الفتاوى " (32/ 39 - 40).
ب. “ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده "سبع سنين".
قال النووي:
“ كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها “.
" شرح مسلم " (9/ 207).
قال ابن عبد البر:
“ أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها “ أ. هـ
" الاستذكار " (16/ 49 - 50).
قلت: وقد جمع الإمام البخاري رحمه الله بين الدليلين فقال: (باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله تعالى: {واللائي لم يحضن}، فجعل عدتهما ثلاثة أشهر قبل البلوغ)، ثم روى حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين!!
قال ابن بطال:
“ وفيه - أي: حديث عائشة – أن النهي عن إنكاح البكر حتى تستأذن مخصوص بالبالغ حتى يتصور منها الإذن، وأما الصغيرة فلا إذن لها “ أ. هـ
" فتح الباري " (9/ 238) ط العلمية.
قال ابن حجر:
“ والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقاً إلا من شذ “.
" الفتح " (9/ 239).
وقوله " من شذ " يشير به إلى " ابن شرمة " الذي عدَّ ذلك من خصائصه صلَّى الله عليه وسلم، والرد عليه:
بقوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} - كما قال ابن حزم في " المحلى " (9/ 40).
وبـ " أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ".
وبـ " أن الأصل في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم التشريع العام للأمة لا الخصوصية إلا بدليل، قال ابن القيم: “ دعوى الخصوصية لا تسمع إلا بدليل “.
وبـ " أن هذا هو فعل الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم ونقل فيه الإجماع كما تقدم ويأتي.
وقال ابن حزم:
وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر - ما لم تبلغ – بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت، فإن كانت ثيباً من زوج مات عنها أو طلَّقها: لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا إذن لها قبل أن تبلغ … ".
" المحلى " (9/ 38) ط العلمية.
وقال الشوكاني:
والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها أنها هي البالغة، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة فإنها لا تدري ما الإذن ".
" نيل الأوطار " (6/ 122).
ج. زوَّج الزبير بن العوام ابنته لـ " قدامة بن مظعون " حين نفست بها أمها، كما رواه سعيد بن منصور (1/ 175) وابن أبي شيبة في " مصنفه " (4/ 345) عن هشام بن عروة عن أبيه.
د. نُقل الإجماع على جواز تزويج الأب البكر الصغيرة - على الأقل إجماع الصحابة - وممن نقل الإجماع: الإمام أحمد في " المسائل " - رواية صالح – (3/ 129) والمروزي في " اختلاف العلماء " (ص 125)، وابن المنذر في " الإجماع " (ص91) وابن عبد البر في " التمهيد "، والبغوي في " شرح السنة " (9/ 37) والنووي في " شرح مسلم " (9/ 206) وابن حجر في" الفتح " (12/ 27)، والباجي في " المنتقى " (3/ 272)، وابن العربي في " عارضة الأحوذي " (5/ 25)، والشنقيطي في " مواهب الجليل " (3/ 27).
والخلاف في هذا شاذ لا يعتد به كما قال الحافظ ابن حجر.
¥