ملاحظة: نقلت هذا كله – أي: نقطة " د " - عن مقال للدكتور عبد الله بن عبد العزبز الجبرين في مقال له حول هذا الموضع في " مجلة البحوث الإسلامية " (عدد 33، ص 251)، واستفدت منه فيما سبق بيانه.
2. أما قول الشيخ رحمه الله: “ فلها أن تطلب الفسخ بعد أن تعقل وتبلغ “، فيرد عليه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخيِّر عائشة رضي الله عنها لما بلغت، كما خيَّر نساءه لما نزلت آية التخيير، ولأن الأصل في عقد النكاح عدم الخيار.
3. أما الحديث الذي استدل به الشيخ رحمه الله فليس فيه دلالة لما ذهب إليه، لأنه ليس في الحديث أنها " زوجت صغيرة " فلما بلغت " طلبت الفسخ " البتة، وقد ورد ما يؤيد أن طلب الفسخ إنما يكون لمن تزوجت مكرهة إذا كانت بكراً أو ثيِّباً.
أ. روى البخاري: أن خنساء بنت خدام زوَّجها أبوها وهي كارهة، وكانت ثيبا!! فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. وبوَّب عليه البخاري بقوله: (باب إذا زوَّج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود).
قال الحافظ:
” هكذا أطلق فشمل البكر والثيب، لكن حديث الباب مصرَّح فيه بالثيوبة، فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه، ورد النكاح إذا كانت ثيبا فزوجت بغير رضاها: إجماع إلا ما نقل عن الحسن أنه أجاز إجبار الأب للثيب ولو كرهت “.
" الفتح " (9/ 243).
قلت: دفاع الحافظ عن كونها ليست بكراً ليس ذا فائدة، لأننا نثبت أن للثيب والبكر والرشيدة حق الفسخ إذا زوجت بالإكراه، وقد ورد ما يدل على ذلك وهو:
ب. حديث ابن عباس: أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/ 40).
قال ابن القيم:
“ وهذه غير خنساء، فهما قضيتان قضى في إحداهما بتخيير الثيب وقضى في الأخرى بتخيير البكر “.
" الزاد " (5/ 95).
وقال ابن تيمية:
“ والصحيح: أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البالغ لا يجبرها أحد على النكاح … وأيضاً: فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها وبضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كرامتها ورشدها، وأيضاً: فإن الصغر سبب للحجر بالنص والإجماع، وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام… “.
" مجموع الفتاوى " (3/ 23).
4. وأما ما ذكره الشيخ رحمه الله من الأحاديث فهي: إما للبكر البالغة أو للثيب.
أ. قال صلى الله عليه وسلم: “ لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت “ متفق عليه.
قال ابن حزم:
“ الاستئذان لا يكون إلا للبالغ العاقل للأثر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاث؛ – فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ – ". " المحلى " (9/ 40).
ب. وفي صحيح مسلم " البكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ".
ج. وفي مسلم أيضا: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها ".
وفي البخاري ومسلم " لا تُنكح المرأة حتى تستأمر ولا تُنكح البكر حتى تستأذن ".
ومعنى قوله: " الأيم .. ": أي " أنه – أي: وليُّها - لا ينفذ عليها أمره بغير إذنها ولا يجبرها فإذا أرادت أن تتزوج لم يجز لها إلا بإذن وليها “ قاله الحافظ في " الفتح " (9/ 243).
ومعنى " تستأمر ": أي: " لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها "، قاله الشوكاني في " النيل " (6/ 122)
والله أعلم بالصواب.
((فائدة متممة)):
ولا يلزم من تزوج الصغيرة جواز وطئها، بل لا توطأ إلا إن صارت مؤهلة لذلك؛ ولذلك تأخر دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها.
قال النووي:
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها. " شرح مسلم " (9/ 206).
والمستحب أن لا يزوج الوليُّ ابنته وهي صغيرة إلا إذا كانت هناك مصلحة من ذلك.
قال النووي:
واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب أن لا يزوِّج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها، والله أعلم. " شرح مسلم " (9/ 206).
http://saaid.net/Doat/ehsan/103.htm
¥