وحد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عوناً عليهما ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية ولكنه من هذر القول وفضول العمل. فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التقلل منهما يستحق المرء اسم السخف، وقد يسخف المرء في قصة ويعقل في أخرى ويحمق في ثالثة.
وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلى الناس بما وافقهم وصلحت عليه حال المتودد من باطل أو غيره أو عيب أو ما عداه والتحيل في إنماء المال وبعد الصوت وتسبيت الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة فليس عقلاً، ولقد كان الذين [وصفهم] الله بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم مدارين لملوكهم حافظين لرياستهم، لكن هذا الخلق يسمى الدهاء، وضده العقل والسلامة.
وما إذا كان السعي فيما ذكرنا بما فيه تصاون، وأنفة = فهو يسمى: الحزم، وضده المنافي له التضييع.
وأما الوقار ووضع الكلام موضعه والتوسط في تدبير المعيشة ومسايرة الناس بالمسالمة فهذه الأخلاق تسمى الرزانة وهي ضد السخف.
أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة وهي: العدل، والفهم، والنجدة، والجود.
أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي: الجور، والجهل، والجبن، والشح. وهذه أضداد الذي ذكرنا.
الأمانة والعفة نوعان من أنواع العدل والجود.
النزاهة في النفس فضيلة تركبت من النجدة والجود وكذلك الصبر. الحلم نوع مفرد من أنواع النجدة. القناعة فضيلة مركبة من الجود والعدل.
والحرص متولد عن الطمع والطمع متولد عن الحسد ويتولد من الحرص رذائل عظيمة منها الذل والسرقة والغصب والزنا والقتل والعشق والهم بالفقر.
والمداراة فضيلة متركبة من الحلم والصبر.
الصدق مركب من العدل والنجدة من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق وذلك أن من نقل إليك كذباً عن إنسان حرك طبعك فأجبته فرجع عنك بحق فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله.
لا شيء أقبح من الكذب، وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعاً من أنواعه فكل كفر كذب فالكذب جنس والكفر نوع تحته. والكذب متولد من الجور والجبن والجهل لأن الجبن يولد مهانة النفس والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة.
رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساماً ثلاثة:
أحدها: من لا يبالي فيما أنفق كلامه فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس.
والثاني: أن يتكلم ناصراً لما وقع في نفسه أنه حق ودافعاً لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجاً فيما التزم وهذا كثير وهو الأول.
والثالث: واضع الكلام في موضعه، وهذا أعز من الكبريت الأحمر.
لقد طال هم من أغاظه الحق.
اثنان عظمت راحتهما:
أحدهما في غاية المدح، والآخر في غاية الذم، وهما: مطرح الدنيا ومطرح الحياء.
من عجيب تدبير الله عز وجل للعالم أن كل شيء اشتدت الحاجة إليه كان ذلك أهون له وتأمل ذلك في الماء فما فوقه. وكل شيء اشتد الغنى عنه كان ذلك أعز له وتأمل في الياقوت الأحمر فما دونه.
الناس فيما يعانونه كالماشي في الفلاة كلما قطع أرضاً بدت له أرضون وكلما قضى المرء سبباً حدثت له أسباب.
صدق من قال: إن العاقل معذب في الدنيا. وصدق من قال إنه فيها مستريح! فأما تعذيبه ففيما يرى من انتشار الباطل وغلبة دولته وبما يحال بينه وبينه من إظهار الحق، وأما راحته فمن كل ما يهتم به سائر الناس من فضول الدنيا.
إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل، فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم ولن يحمدك من ساعدته بل يشمت بك. وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[18 - 05 - 04, 11:32 م]ـ
وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك. وإن قل فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً. إن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق فاغضب الناس ونافرهم ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق.
¥