الزِّنَا وَالْقَذْف. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الشَّارِب يُحَدّ، سَوَاء سَكِرَ أَمْ لَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَنْ شَرِبَ النَّبِيذ، وَهُوَ مَا سِوَى عَصِير الْعِنَب مِنْ الْأَنْبِذَة الْمُسْكِرَة، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد - رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى - وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف: هُوَ حَرَام يُجْلَد فِيهِ كَجَلْدِ شَارِب الْخَمْر الَّذِي هُوَ عَصِير الْعِنَب، سَوَاء كَانَ يَعْتَقِد إِبَاحَته أَوْ تَحْرِيمه. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ - رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى -: لَا يَحْرُم، وَلَا يُحَدّ شَارِبه، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: هُوَ حَرَام يُجْلَد بِشُرْبِهِ مَنْ يَعْتَقِد تَحْرِيمه، دُون مَنْ يَعْتَقِد إِبَاحَته. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (عَنْ عَبْد اللَّه الدَّانَاج)
هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة وَالنُّون وَالْجِيم، وَيُقَال أَيْضًا: (الدَّانَا) بِحَذْفِ الْجِيم و (الدَّانَاه) بِالْهَاءِ، وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: الْعَالِم.
قَوْله: (حَدَّثَنَا حُضَيْن بْن الْمُنْذِر)
هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حُضَيْن بِالْمُعْجَمَةِ غَيْره.
قَوْله: (فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدهمَا: حُمْرَان، أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْر، وَشَهِدَ آخَر أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأ، فَقَالَ عُثْمَان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ -: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأ حَتَّى شَرِبَهَا ثُمَّ جَلَدَهُ)
هَذَا دَلِيل لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ مَنْ تَقَيَّأَ الْخَمْر يُحَدّ حَدَّ الشَّارِب، وَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يُحَدّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا جَاهِلًا كَوْنهَا خَمْرًا أَوْ مُكْرَهًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَار الْمُسْقِطَة لِلْحُدُودِ، وَدَلِيل مَالِك هُنَا قَوِيّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَة اِتَّفَقُوا عَلَى جَلْد الْوَلِيد بْن عُقْبَة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ يُجِيب أَصْحَابنَا عَنْ هَذَا بِأَنَّ عُثْمَان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - عَلِمَ شُرْب الْوَلِيد فَقَضَى بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُود، وَهَذَا تَأْوِيل ضَعِيف، وَظَاهِر كَلَام عُثْمَان يَرُدّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (إِنَّ عُثْمَان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - قَالَ: يَا عَلِيّ قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ عَلِيّ: قُمْ يَا حَسَن فَاجْلِدْهُ، فَقَالَ حَسَن: وَلِّ حَارّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارّهَا، فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ وَعَلِيّ يَعُدّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أَمْسَكَ)
مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْحَدّ عَلَى الْوَلِيد بْن عُقْبَة، قَالَ عُثْمَان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَهُوَ الْإِمَام لِعَلِيٍّ عَلَى سَبِيل التَّكْرِيم لَهُ وَتَفْوِيض الْأَمْر إِلَيْهِ فِي اِسْتِيفَاء الْحَدّ: قُمْ فَاجْلِدْهُ، أَيْ أَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدّ بِأَنْ تَأْمُر مَنْ تَرَى بِذَلِكَ. فَقَبِلَ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - ذَلِكَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَامْتَنَعَ الْحَسَن، فَقَالَ لِابْنِ جَعْفَر، فَقَبِلَ فَجَلَدَهُ، وَكَانَ عَلِيّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّفْوِيض إِلَى مَنْ رَأَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَوْله: (وَجَدَ) عَلَيْهِ أَيْ غَضِبَ عَلَيْهِ.
وَقَوْله: (وَلِّ حَارّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارّهَا) الْحَارّ الشَّدِيد الْمَكْرُوه، وَالْقَارّ: الْبَارِد الْهَنِيء الطَّيِّب، وَهَذَا مَثَل مِنْ أَمْثَال الْعَرَب، قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره مَعْنَاهُ: وَلِّ شِدَّتهَا وَأَوْسَاخهَا مَنْ تَوَلَّى هَنِيئَهَا وَلَذَّاتهَا. الضَّمِير عَائِد إِلَى الْخِلَافَة وَالْوِلَايَة، أَيْ كَمَا أَنَّ عُثْمَان وَأَقَارِبه يَتَوَلَّوْنَ هَنِيء الْخِلَافَة وَيَخْتَصُّونَ بِهِ، يَتَوَلَّوْنَ نَكِدهَا وَقَاذُورَاتهَا. وَمَعْنَاهُ: لِيَتَوَلَّ هَذَا الْجَلْد عُثْمَان
¥