تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما آيات القسم الأول فكقوله {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات وَالاٌّرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقوله تعالى {سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالاٌّرْضِ}، فقوله {وَسَارِعُواْ} وقوله {سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ} فيه الأمر بالمسارعة، والمسابقة إلى مغفرته، وجنته جل وعلا، وذلك بالمبادرة، والمسابقة إلى امتثال أوامره، ولا شك أن المسارعة والمسابقة كلتاهما على الفور، لا التراخي وكقوله {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}، ويدخل فيه الاستباق إلى الامتثال وصيغ الأمر في قوله {وَسَارِعُواْ} وقوله: {سَابِقُواْ}، وقوله {فَاسْتَبِقُواْ} تدل على الوجوب، لأن الصحيح المقرر في الأصول: أن صيغة أفعل إذا تجردت عن القرائن، اقتضت الوجوب، وإليه أشار في المراقي بقوله: * وأفعل لدى الأكثر للوجوب * الخ

وذلك لأن الله تعالى يقول {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال جل وعلا {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فصرح جل وعلا، بأن أمره قاطع للاختيار، موجب للامتثال، وقد سمى نبيه موسى عليه، وعلى نبينا الصلاة والسلام مخالفة الأمر معصية، وذلك في قوله {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى} يعني قوله له:

{اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وإنما قال موسى لأخيه هارون، قبل أن يعلم حقيقة الحال، فلما علمها قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ} ومما يدل على اقتضاء الأمر الوجوب: أن الله جل وعلا، عنف إبليس، لما خالف الأمر بالسجود، وذلك في قوله {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} والنصوص بمثل هذا كثيرة، وقد أجمع أهل اللسان العربي: أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء مثلاً، فلم يمتثل أمره فأدبه على ذلك، أن ذلك التأديب واقع موقعه، لأنه عصاه بمخالفة أمره، فلو قال العبد: ليس لك أن تؤدبني، لأن أمرك لي بقولك: اسقني ماء لا يقتضي الوجوب لقال له أهل اللسان: كذبت، بل الصيغة ألزمتك، ولكنك عصيت سيدك، فدل ما ذكر على أن الشرع واللغة، دلا على اقتضاء الأمر المجرد الوجوب، وذلك يدل على أن قوله: {سَابِقُواْ} وقوله {وَسَارِعُواْ} يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامر الله فوراً.

ومن الآيات التي فيها الثناء على المبادرين إلى امتثال أوامر ربهم قوله تعالى {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ}. وقوله تعالى {أولئك يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.

وأما القسم الدال على التخويف من الموت، قبل الامتثال المتضمن الحث على الامتثال: فهو أن الله جل وعلا، أمر خلقه أن ينظروا في غرائب صنعه، وعجائبه كخلقه للسماوات والأرض، ونحو ذلك من الآيات من كتابه كقوله {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِى السموات وَالاٌّرْضِ}. وقوله تعالى {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} وقوله {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الاٌّرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}. ثم ذكر في آية أخرى ما يدل على أن ذلك النظر مع لزومه يجب معه النظر في اقتراب الأجل، فقد يقترب أجله، ويضيع عليه أجر الامتثال بمعالجة الموت، وذلك في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ السموات وَالاٌّرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} إذ المعنى: أو لم ينظروا في أنه عسى أن يكون أجلهم قد اقترب، فيضيع عليهم الأجر بعدم المبادرة قبل الموت، وفي الآية دليل واضح، على أن الإنسان يجب عليه أن يبادر إلى امتثال الأمر، خشية أن يعالجه الموت قبل ذلك.

ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور، أحاديث جاءت دالة على ذلك، ولا يخلو شيء منها من مقال، إلا أنها تعتضد بالآيات المذكورة، وبما سنذكره إن شاء الله بعدها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير