فقد قال المحقق في مقدمته (1/ 148 - 149): "وجاء على غلاف الكتاب ما نصه: قال المؤلف رحمه الله فيما وجدتُه بخطه على حاشية المسودة: تمّ في سنة ثمان وتسعين وستمائة، على أن فيه أحاديث تبيّن لي وهنها، وأقوال طوائف قد توسعوا في العبارة [فلا أنا موافق لهم] على تلك العبارات ولا مقلد لهم، والله يغفر لهم، ولا ألتزم أمراً إلا ما اجتمع على الدهماء، فبهذا أدين، واعلم أن الله ليس كمثله شيء" انتهى التعلق كاملاً بحروفه، وصورة غلاف المخطوط الذي فيه الكلام موجودة ص164.
ومن الواضح أن هذا ليس تراجعاً ولا ندماً عن (الكتاب!)، بل هو رجوع عن أمرين اثنين لا ثالث لهما:
1) التراجع عن أحاديث كان يقول بقَبولها زمن تأليف المسودة -وهو في فترة مبكرة، فقد عاش بعد ذلك خمسين سنة! - ثم تبيّن له مع ازدياد التمكّن والاطلاع وجود وهن في تلك الأحاديث.
2) عدم إقرار بعض الألفاظ التي فيها توسّع لا دليل عليها شرعاً.
هذا هو الفهم المتبادر إلى الذهن من قراءة كلامه الذي نقلته كاملاً ومن غير تحميل للكلام ما لا يحتمله، فهل الواقع يؤيد هذا الفهم أم يشكل عليه؟
الجواب:
الحمد لله، فإن الواقع والبراهين تؤيد هذا الفهم تماماً بل وتنص عليه نصاً وإليكم تفصيل ذلك:
(*) بالرجوع لما أورده المحقق في دراسته للنسخ التسع نجده ذكر أن سبعاً منها تتفق على إخراج واحد -إحداها مختصرة من هذا الإخراج- واثنتين تتفقان على إخراج آخر، فما سبب ذلك؟
قال المحقق ما مفاده أن الذهبي ألف الكتاب على مرحلتين: المرحلة الأولى: كما نص الذهبي أنه سنة 698 عندما كان عمره 25 سنة، وهو دليل على نبوغه وصفاء عقيدته المبكرين، وهذا الإخراج القديم (المسودة) ربما سُمّي كتاب العرش أو العرشية.
ثم بعد دهر أعاد الذهبي النظر في كتابه وزاده تحريراً وبيضه وأخرجه الإخراج الأخير، وهو كتاب الذي عرف واشتهر وذاع وانتشر باسم "العلو". ونسخة ابن ناصر الدين وخمس نسخ أخرى هي لكتاب العلو، ونسخة منقولة عن خط الحافظ الذهبي.
وقال المحقق عن النسختين الأخريين -أي الإخراج القديم أو المسودة- (1/ 157): "من خلال دراستي للنسختين ظهر لي أن الكتاب سابق لكتاب العلو، سواء سمّيناه العرش أو غيره، ولو قلت إن كتاب العلو يعتبر ناسخاً له لم يكن فيه مبالغة، إن من يتأمل منهج الذهبي في التأليف يعلم أن هذا الكتاب -قلت: أي الإخراج القديم- يُعتبر جمعاً أولياً للكتاب، ثم بعد ذلك قام الذهبي بترتيب موضوعات الكتاب، كما تراه في كتاب العلو، ولكي يتضح الأمر قمت بعمل مقارنة بما جاء في النسخ مع كتاب العلو للتدليل على ما قلت في صدر الكلام على النحو الآتي. . ."
قلت: ذكر المحقق بعد ذلك -كمثال- اتفاق فصل بين الإخراج القديم ونسخة مختصرة من العلو، ثم ذكر أن الإخراج القديم فيه اختصار للأسانيد، قال المحقق: "وهذا يختلف عن منهجه في العلو كما ترى، بل عدد الأحاديث أقل بكثير مما في كتاب العلو".
ثم ذكر المحقق ص158 اختلاف أحكام الذهبي على الأحاديث، وعقد لذلك جدولاً، أنقله بتصرف غير مخل، لأجل التقريب:
رقم النص: ح 65، 66.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): هذا حديث غريب جدا فرد.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): بإسناد حسن.
رقم النص: ح10.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): هو مرسل، تفرد به أسامة.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): بإسناد صحيح.
رقم النص: ح7.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): هذا محفوظ عن أبي معاوية، لكن شيخه ضُعِّف.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): بإسناد صحيح.
رقم النص: ح98.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): حديث الأوعال: أعله الذهبي بعدة علل.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): رواه أبوداود بإسناد حسن وفوق الحسن.
رقم النص: ح56.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): ليس إسناده بقوي.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): بإسناد صحَّ.
رقم النص: ح69 و73.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): حكم الذهبي بإرساله.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): بإسناد صحيح ثابت.
رقم النص: ح41.
من كتاب العلو (الإخراج الأخير): هذا حديث منكر .. ولم أرو هذا ونحوه إلا للتزييف والكشف.
النسختين (الإخراج القديم، وقد يسمى العرش): لم يحكم عليه الذهبي.
رقم النص: ح165.
¥