والمناولة التي حدثت من أبي الزبير للّيث ما هي إلا عارية حتى إذا نسخها اللّيث من نسخة أبي الزبير عاد وقرأ هذه النسخة على أبي الزبير أو سمعها من لفظه. فكيف نحكم بواسطة هذه العارية على حافظ من حفاظ التابعين المكثرين بالتدليس؟! ونتوقف في أحاديثه التي عنعنها أو نحكم عليها بالضعف؟!.
فإذا حكمنا على كل من يعير بعض أصوله بأنه مدلس، لم يسلم من التدليس أحد من الحفاظ المكثرين الذين كانوا يعيرون أصولهم. والمدلسون عددهم لا يتجاوز المائة والخمسين في جزء الحافظ ابن حجر.وعليه في هذا الجزء شذرة من الأخذ و الرد.
والمناولة المجردة عن الإجازة من أضعف أنواع التحمل.وغير معمول بها عند الجمهور. قال الحافظ ابن الصلاح في المقدمة [ص 194]:" والمناولة المجردة عن الإجازة، بأن يتناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولاً، ويقتصر على قوله هذا من حديثي أو من سماعاتي ولا يقول أروه عني،أو أجزت لك روايته عني ونحو ذلك، فهذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها ".ا هـ.
وفي النخبة [ص 64]:" واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية ".اهـ.أضف إلى ذلك أن اللّيث بن سعد نفسه لم يعتمد على هذه المناولة، بل سعى إلى أبي الزبير وسمع منه،لأنه روى أحاديث فيها تصريح اللّيث بالسماع أو التحديث،وهذان اللّفظان لا يكونان في المناولة المقرونة بالإجازة. فما بالك بالمناولة المجردة تماماً هل يقال فيها سمعت وحدثنا ونحو ذلك؟!
ثانيهما:
قد يستدل البعض على أن أبا الزبير المكي كان من المدلسين بقول بعضهم: لم يسمع من فلان ولم يسمع من فلان.
قال ابن أبي حاتم عن أبيه: يقولون إنه لم يسمع عن ابن عباس،قال أبي:رآه رؤية،ولم يسمع من عائشة، ولم يلق عبد الله بن عمرو. [المراسيل ص 38/ 193].
قال ابن معين:" لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص [تاريخ ابن معين برواية الداروردي 2/ 538].
قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: [1/ 127]:" حديثه عن عائشة في صحيح مسلم، وما أراه لقيها ".اهـ.
وقال أيضاً في الميزان: [4/ 37]: " رواته عن عائشة وابن عباس في الكتب الستة إلا البخاري،وروايته عن ابن عمر في مسلم،وروايته عن عبد الله بن عمرو السهمي في ابن ماجة" اهـ.
فإن المحدثين – أحياناً – يستدلون بمثل ذلك على تدليس الراوي،ولعل النسائي رماه بالتدليس من أجل ذلك.
ويجاب عنه بالآتي:إن صح القول بعدم سماعه من المذكورين فلا يعتبر هذا دليلاً على تدليسه لأن التدليس هو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه.فما دام أنه لم يلق المذكورين فروايته عنهم تكون من باب الإرسال الخفي،لا من باب التدليس على الأصح.
قال الحافظ في تعريف أهل التقديس [ص 16]:" وإذا روى عمن عاصره،ولم يثبت لقيه له، شيئاً بصيغة محتملة فهو الإرسال الخفي، ومنهم من ألحقه بالتدليس،والأولى التفرقة لتمييز الأنواع ".اهـ.
وقال الحافظ أيضاً في النكت على ابن الصلاح [2/ 615]:" التدليس مختص بالرواية عمن له منه سماع، بخلاف الإرسال والله أعلم".اهـ.
وصرح الحافظ العلائي في جامع التحصيل [ص 110] بضعف قول من ألحق بالتدليس من روى عمن يعلم أنه لم يلقه لم يدركه أصلاً. ويؤيد هذا قول الحافظ في التهذيب في ترجمة أبي قلابة البصري [5/ 226]:" قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: لم يسمع أبو قلابة من علي، ولا من عبد الله بن عمر، وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبي زيد عمرو بن أخطب ولا يعرف له تدليس.وهذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس لا الاكتفاء بالمعاصرة ".اهـ.
قال العبد الضعيف:ولعل النسائي ذكره ضمن المدلسين بسبب عدم تفرقته بين الإرسال الخفي والتدليس،ويؤيده تصرف النسائي مع سعيد ابن أبي عروبة فإنه وصفه بالتدليس [تعريف أهل التقديس ص 31] ودليله انه روى عن جماعة ولم يسمع منهم وعاصرهم كما في التهذيب [4/ 64].وعلى كل فلم أقف على مصنف النسائي في المدلسين، لكن نقل الذهبي عن النسائي في الميزان [1/ 460]:" قال النسائي: ذكر المدلسين:الحجاج ابن أرطأة، والحسن، وقتادة، وحميد، ويونس بن عبيد ... وأبو الزبير ... الخ هكذا ذكرهم النسائي أسماء متعاقبة، فلم يذكر دليله على تدليس كل راوٍ ".اهـ.
¥