بَحْثٌ فِي عِبَارة: " فِي مُسْتَقَرِ رَحْمَتِهِ "
ـ[عبد الله زقيل]ــــــــ[11 - 01 - 03, 07:03 ص]ـ
الحمد لله وبعد؛
نسمع كثيرا لفظة " في مستقر رحمتك " في الدعاء، وقد وردت الكراهة بقولها عن بعض السلف. وفي هذا البحث جمعت شتات الموضوع. أسأل الله أن ينفع به.
ما ورد من نصوص بخصوص " مستقر رحمتك ":
1 - عن أبي وجزة، عن أبيه قال: حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية، ومعها بنوها أربعة رجال، فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال، وعدم الفرار، وفيها: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم، ولا فضحت أخوالكم فلما أصبحوا باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا، وكان منهم أنشد قبل أن يستشهد رجزا فأنشد الأول:
يا إخوتي إن العجوز الناصحة * قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
بمقالة ذات بيان واضحة * وإنما تلقون عند الصائحة
من آل ساسان كلابا نابحة
وأنشد الثاني:
إن العجوز ذات حزم وجلد * قد أمرتنا بالسداد والرشد
نصيحة منها وبرا بالولد * فباكروا الحرب حماة في العدد
وأنشد الثالث:
والله لا نعصي العجوز حرفا * نصحا وبرا صادقا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا * حتى تلفوا آل كسرى لفا
وأنشد الرابع:
لست لخنساء ولا للأخرم * ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم * ماض على الهول خضم حضرمي
قال: فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، قالوا: وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة حتى قبض.
أخرج القصة ابن عبد البر في " الاستيعاب " (12/ 294 – 298 حاشية الإصابة)، وابن الأثير في " أسد الغابة " (7/ 90) بسياق ليس فيه الشعر المذكور من أبناءها، والحافظ في " الإصابة " (12/ 227 – 228)، بإسناد:
وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن الحسن المخزومي، وهو المعروف بابن زبالة، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن أبيه، عن أبي وجزة به.
وسياق القصة للحافظ ابن حجر، وإلا فهي عند ابن عبد البر أطول من هذا السياق.
وأعل الحافظ ابن حجر سندها فقال في سياق سندها: عن محمد بن الحسن المخزومي، وهو المعروف بابن زبالة، أحد المتروكين.ا. هـ.
ومحمد بن الحسن بن زَبَالة كلام أهل العلم بالجرح والتعديل فيه معروفٌ، ولخص الحافظ ابن حجر كلام أهل العلم في " التقريب ": كذبوه.
فالقصة واهية بهذا الرجل فقط، فما بالك إذا وجد فيها غيره؟
والشاهد من القصة قولها: " وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته "
2 - عن أبي الحارث الكرماني قال: سمعت رجلا قال لأبي رجاء: أقرأ عليك السلام، وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته. قال: وهل يستطيع أحد ذلك؟ قال: فما مستقر رحمته؟ قال: الجنة. قال: لم تُصِب. قال: فما مستقر رحمته؟ قال: رب العالمين.
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (768)، وأورده المزي في " تهذيب الكمال " (33/ 215) عند ترجمة أحد رجال السند وهو " أبو الحارث الكرماني ".
بوب له البخاري في " الأدب المفرد ": باب من كره أن يقال: " اللهم اجعلني في مستقر رحمتك ".
وصححه إسناده العلامة الألباني – رحمه الله – في صحيح الأدب المفرد (591). وصحح إسناده أيضا أبو إسحاق الحويني في كتاب " الصمت وآداب اللسان " لابن أبي الدنيا (ص 194).
ومن خلال تبويب الإمام البخاري يظهر أن بعض السلف كرهوا هذه اللفظة.
3 - وَقَالَ وَهْب أَيْضًا وَغَيْره: وَلَمَّا اِشْتَرَى مَالِكُ بْن دعر يُوسُف مِنْ إِخْوَته كَتَبَ بَيْنهمْ وَبَيْنه كِتَابًا: هَذَا مَا اِشْتَرَى مَالِك بْن دعر مِنْ بَنِي يَعْقُوب , وَهُمْ فُلَان وَفُلَان مَمْلُوكًا لَهُمْ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا , وَقَدْ شَرَطُوا لَهُ أَنَّهُ آبِق , وَأَنَّهُ لَا يَنْقَلِب بِهِ إِلَّا مُقَيَّدًا مُسَلْسَلًا , وَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْد اللَّه. قَالَ: فَوَدَّعَهُمْ يُوسُف عِنْد ذَلِكَ , وَجَعَلَ يَقُول: حَفِظَكُمْ اللَّه وَإِنْ ضَيَّعْتُمُونِي , نَصَرَكُمْ اللَّه وَإِنْ خَذَلْتُمُونِي , رَحِمَكُمْ اللَّه وَإِنْ لَمْ تَرْحَمُونِي ; قَالُوا: فَأَلْقَتْ الْأَغْنَام مَا فِي بُطُونهَا دَمًا عَبِيطًا
¥