هل يلزم من قول المحدثين عن راو أنه (حافظ) أن يكون ضابطاً؟!
ـ[ابن معين]ــــــــ[04 - 01 - 03, 08:50 م]ـ
الحمد لله وحده، و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد كنت كتبت مقالاً في وقت سابق بعنوان (نظرات في كتاب النقد البناء لحديث أسماء في كشف الوجه واليدين للنساء للشيخ طارق عوض الله)، وقد أشرت فيه إلى بعض المباحث والمسائل التي أجاد فيها الشيخ أو كان له فيها تحرير لم أجد من سبقه إليه.
ومن ضمن ما أشرت إليه أن للشيخ كلاماً حول قول المحدثين عن راو أنه (حافظ) وأن ذلك لا يستلزم ثبوت ضبطه.
وإجابة لطلب أخي محمد الأمين _ بعد تأخر مني _ بذكر كلام الشيخ طارق عوض الله، فإليك وإلى جميع إخواني الفضلاء هذا المبحث من الكتاب السابق:
قال الشيخ طارق عوض الله (ص197) متعقباً مؤلف كتاب " تنوير العينين في طرق حديث أسماء في كشف الوجه والكفين " _ لما قوى حال سعيد بن بشير _:
(قال أخونا (ص 35): (وقال أبوزرعة: ورأيته موضعاً عند أبي مسهر للحديث).
قلت: وهذا أيضاً لا يدل على ثبوت حفظه وضبطه عند أبي مسهر، فقد يكون الرجل موضعاً للحديث لسعة حفظه وكثرة مروياته، وإن لم يكن حجة فيما تفرد به.
ومن أدل دليل على ذلك: أن أبامسهر نفسه لما سئل عنه في موضع آخر قال:
(لم يكن في جندنا أحفظ منه، وهو ضعيف منكر الحديث).
وهذا القول مذكور في التهذيب للمزي وابن حجر، وأخونا قد نقل هذه الأقوال من تهذيب المزي _ تحقيق الدكتور بشار عواد _، كما ذكر ذلك هو في كتابه (ص37)، فلا أدري ما الذي حمله على تبنيه لهذا القول المحتمل أو الموهِم من أبي مسهر، وتجاهله للقول الصريح الدال على مكانته من حيث الحفظ والضبط عنده؟!
هذا و (الحافظ) عندهم يطلق على المكثر من السماع والإسماع، وإن لم يكن موصوفاً بالضبط والإتقان، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال أخونا (ص36) وقال عباس بن الوليد الخلال عن مروان بن محمد: سمعت سفيان بن عيينة يقول _ على جمرة العقبة _ حدثنا سعيد بن بشير وكان حافظاً).
قلت: هذا أيضاً لا يفيد في إثبات الضبط شيئاً، لأن كون الراوي (حافظاً) لا يستلزم أن يكون ضابطاً متثبتاً، فالمحدثون يطلقون (الحافظ) على من أكثر من سماع الحديث وإسماعه، ضابطاً كان أو غير ضابط، متقناً كان أو غير متقن.
وأكتفي هنا أن أذكر أخونا بما كتبه هو في كتابه (كشف المعلم ... ) حول هذا الأمر، فقد قال: (إن كونه (يعني أبالزبير المكي) أحفظ لا يبرئه من التدليس، فضلاً عما هو أشد منه، كالكذب والتهمة ونحوهما.
ومن أمثلة ذلك: محمد بن حميد الرازي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب (5834): حافظ ضعيف ... ).
وسليمان بن داود الشاذكوني، كان حافظاً مكثراً ... وكان يتهم بوضع الحديث ... ) كما في الأنساب (7/ 238) ولسان الميزان (3/ 84).
وفي تاريخ بغداد (9/ 42) لمّا ذكر أحمد بن حنبل وابن المديني وابن معين وابن أبي شيبة، قال أبوعبيد: (وأبوبكر (يعني ابن أبي شيبة) أحفظهم له، فاستدرك الحافظ زكريا الساجي: (وهم أبوعبيد، أحفظهم له الشاذكوني).
وفي المصدر نفسه عن صالح جزرة وابن معين وغيرهما أن الشاذكوني كان يكذب في الحديث. بل فيه عن البخاري قوله: (هو أضعف عندي من كل ضعيف).
وانظر نتائج الأفكار (1/ 264) ففيه حافظ ثالث، لكنه متهم أيضاً).
انتهى كلام أخي. (1)
ثم قال أخونا بعد ذلك: (وعليه، فإن الحفظ لا يلزم منه الثبت). (2)
قلت: وهكذا نحن نقول، فما معنى إذاً ذكرك لقول ابن عيينة هذا وإقحامك له ضمن الأقوال التي تستدل بها على التوثيق؟!
وقد أشار ابن القطان أيضاً إلى أن وصف ابن عيينة له بالحفظ لا ينافي تضعيفه، وقد سبق كلامه في أوائل الفصل الأول، وقد تقدم قريباً أيضاً.
وقد تقدم عن أبي مسهر أنه ضعفه في الوقت الذي وصفه فيه بالحفظ!
الهوامش:
(1) قلت: وكذا الواقدي، والكديمي، ويحيى الحماني، ونوح بن أبي مريم، والحجاج بن أرطاة، وغيرهم ممن وصفوا بالحفظ مع ثبوت ضعف بعضهم وتهمة البعض الآخر. وانظر الميزان (2/ 192).
¥