قلت-أي الألباني-:ومما سبق تعلم تساهل الحافظ الهيثمي في قوله في المجمع [3/ 219]:رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن)) انتهى كلام الألباني، إرواء الغليل [4/ 196].
وإليك بيان ما في كلامه من أخطاء:
محمد بن مسلم الطائفي () من المكثرين عن عمرو بن دينار فلحديثه عنه مزية، وثقه ابن معين، وقال عبد الرزاق: ما كان أعجب محمد بن مسلم إلى الثوري، وقال ابن مهدي:كتبه صحاح، وقال أبو داود: ليس به بأس، ووثقه مرة أخرى، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي:ثقة لا بأس به، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات وقال:كان يخطئ،وقال الساجي: صدوق يخطئ في الحديث،وقال ابن عدي: له أحاديث حسان غرائب وهو صالح الحديث لا بأس به ولم أر له حديثاً منكراً.
وفي مقابل كل هؤلاء انفرد الإمام أحمد بتضعيفه، ولم يبين سبب الضعف، فهو جرح غير مُفسر فيرد مقابل التعديل المذكور كما هو معروف.
وقول ابن حبان كان يخطئ ونحوه للساجي لا يضره مع توثيقهما له، فمن من الرواة كان لا يهم أو لا يخطئ؟ خاصة الرواة المكثرين أمثال محمد بن مسلم الطائفي. هذا إذا سلم لابن حبان والساجي قولهما، فإن ابن عدي قال: لم أر له حديثاً منكراً.
وإذا علمت ما سبق، تبين لك أن الألباني أخطأ في الاعتماد على الضعفاء للذهبي حيث قال: ((وثقه ابن معين وضعفه أحمد)).اهـ. وقد أخطأ في النقل عن الذهبي كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ففاته بهذا تعديل سفيان الثوري وأبو داود والفسوي والعجلي وابن مهدي وابن حبان وابن عدي والساجي. وهذا من عيب الاعتماد على المختصرات خاصة في كتب الرجال، فلا بد للمحدث الناقد أن يجمع أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرجل حتى يحكم عليه بما هو صواب.
فالألباني لم يُحصل كلام الناس في محمد بن مسلم الطائفي وإلا لما ذكر كلام الذهبي في الضعفاء فقط وسكت عن كلام الباقين وهم الراجحون إن شاء الله تعالى.
وأما إن كان اتفق له كلامهم ثم ذهب إلى ما ذهب إليه، فهذا شأن آخر.
ثم هب أن الرجل ليس فيه إلا كلام ابن معين وأحمد، فلا بد من تقديم كلام ابن معين لسببين:
الأول: أن الراوي إذا لم يكن فيه توثيق من أحد وجرحه واحد جرحاً مُبهماً، اعتبر جرحه وقُبل منه.اما إذا وثقه أحد الأئمة فلا يقبل فيه الجرح مبهماً، بل لابد من كونه مفسراً ببيان السبب. وتضعيف أحمد مبهم، ولذا قدم عليه توثيق ابن معين، فمثله يكون حسن الحديث.
الثاني: أن ابن معين كان من المتعنتين، وعندما قسم الحافظ الذهبي المتكلمين في الجرح والتعديل قال: قسم منهم متعنت في الجرح، متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه. فهذا إذا وثق شخصاً فعض علي قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه ... ثم ذكر ابن معين رحمه الله تعالى من المتعنتين. انظر ذكر من يُعتمد قوله في الجرح والتعديل ص 158 - 159.
وعليه فيقدم قول ابن معين بمفرده مقابل قول أحمد، فما بالك إذا ضم لقول ابن معين الأقوال السابقة في تعديل محمد بن مسلم الطائفي، وعليه فحديثه لا يقل عن الحسن، ولذلك ذكره الحافظ الذهبي في ((من تكلم فيه وهو موثق)) رقم [315] وهؤلاء حديثهم لا يقل عنده عن الحسن.
3 - أما زكريا بن نافع الأرسوفي:فسكت عنه ابن أبي حاتم [1/ 2/594] وذكر رواية جماعة عنه، وقال ابن حبان [8/ 252]: ((يروي عن ابن عيينة وعباد بن عباد، روى عنه يعقوب بن سفيان والناس،يُغرب)).فقوله: ((يغرب)) يدل على معرفته به وأنه ليس من المجاهيل الذين يوثقهم، فلا يقال - هنا-إن ابن حبان متساهل، وما أبلد من يرد توثيق ابن حبان دائماً.
وترجمه السمعاني في الأنساب [1/ 177] بما يبين أنه من العلماء فقال في مادة ((أرسوف)): ((هي مدينة على ساحل بحر الشام، وبها كان جماعة من العلماء والمرابطين منهم أبو يحيى زكريا بن نافع الأرسوفي)).اهـ. وكلام الخطيب المتقدم والذي نقله الحافظ عنه في اللسان [2/ 483] لا يدل على جهالة الأرسوفي لأن من عادتهم ذكر كل ما يتصل بالراوي في ترجمته، وقد يكون ما ذكره الحافظ عن الخطيب مفيداً لو أنه ذكر السند وعين الرواة المجاهيل. ولكن الحافظ وكذا الخطيب لم يعينا الرواة المجهولين.
¥