وجاء في الإنصاف: " باب التعزير، وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. . . قوله: واجب، هذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب" الإنصاف 10\ 240.
القول الثالث: أن التعزير الذي لحق الله يجوز لولي الأمر فيه أن يراعي الأصلح في العفو، أو التعزير، وهو المشهور عند المالكية المدونة 4\ 387، ومواهب الجليل 6\ 320 وإليه ذهب الشافعية الأحكام السلطانية للماوردي ص 387، والمهذب 2\ 370، وروضة الطالبين 10\ 176، ومغني المحتاج 4\ 193.
جاء في المدونة: " قلت: أرأيت الشفاعة في التعزير أو النكال بعد بلوغ الإمام، أيصلح ذلك أم لا؛ قال: قال مالك في الذي يجب عليه التعزير، أو النكال، فيبلغ به الإمام، قال مالك: ينظر الإمام في ذلك؛ فإن كان لرجل من أهل المروءة والعفاف، وإنما هي طائرة أطارها، تجافى السلطان عن عقوبته.
وإن كان قد عرف بذلك، وبالطيش، والأذى ضربه النكال. فهذا يدلك على أن العفو والشفاعة جائزة في التعزير، وليست بمنزلة الشفاعة في الحدود " المدونة 4\ 387.
وجاء في روضة الطالبين: "الجناية المتعلقة بحق الله تعالى خاصة، يجتهد الإمام في تعزيرها بما يراه من ضرب، أو حبس، أو اقتصار على التوبيخ بالكلام. وإن رأى المصلحة في العفو فله ذلك ". روضة الطالبين 10\ 176. .
الأدلة:
استدل من قال بوجوب إقامة التعزير إذا كان لحق الله تعالى بقولهم: إن التعزير زاجر مشروع لحق الله تعالى، فوجب كالحد فتح القدير 5\ 346، والمغني مع الشرح الكبير 10\ 349. واستدل من قال: إن لولي الأمر الحق في التعزير أو العفو بأدلة منها:
1 - ما رواه البخاري البخاري مع الفتح 5\ 34صحيح البخاري المساقاة (2360)، صحيح مسلم الفضائل (2357)، سنن الترمذي الأحكام (1363)، سنن النسائي آداب القضاة (5416)، سنن أبو داود الأقضية (3637)، سنن ابن ماجه المقدمة (15)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 166). أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يستقون بها من النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: " اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك. فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: سورة النساء الآية 65 فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وجه الاستشهاد: لو لم يجز ترك التعزير لعزره الرسول صلى الله عليه وسلم على ما قال المهذب 2\ 370.
2 - ولما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، قال له رجل: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله متفق عليه، البخاري مع الفتح 10\ 511، ومسلم بشرح النووي 7\ 158. ولم يعزره الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - وترك النبي صلى الله عليه وسلم تعزير الذي غل من الغنيمة.
4 - واستدلوا أيضا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود. قال الماوردي: وفي ذوي الهيئات هاهنا وجهان:
أحدهما: أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر.
والثاني: أنهم الذين إذا ألموا بالذنب ندموا عليه وتابوا منه. وفي عثراتهم هاهنا وجهان:
أحدهما: أنها صغائر الذنوب التي لا توجب الحدود.
والثاني: أنها أول معصية ذل فيها مطيع الحاوي 13\ 440.
وجه الاستشهاد: قال الخطابي: " فيه دليل على أن الإمام مخير في التعزير، إن شاء عزر، وإن شاء ترك، ولو كان التعزير واجبا كالحد، لكان ذو الهيئة وغيره في ذلك سواء". معالم السنن للخطابي، مطبوع مع سنن أبي داود 4\ 540.
القول الراجح:
والراجح- والله أعلم- هو القول الثاني والقائل بأن التعزير - الذي لحق الله يجوز لولي الأمر فيه مراعاة الأصلح من إقامته أو العفو عنه، إذ الغرض من التعزير هو التأديب، والتأديب قد يكون بالتعزير وقد يكون بالعفو، ولا يلزم بإقامة التعزير، قياسا على الحدود، لأن هذا من الفروق التي ذكرها بعض العلماء بين الحدود والتعازير.
ـ[محمد بن عبدالله التميمي]ــــــــ[17 - 12 - 07, 11:31 م]ـ
بورك فيكم
¥