تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [13]،ومثل هذا مع قوم لوط، مع اختلاف الانحرافات.

ويقول الشاطبى في ”الموافقات“: «فمن ذلك أن النبى صلي الله عليه وسلم سئل في أوقات مختلفة عن أفضل الأعمال وخير الأعمال وعرف بذلك في بعض الأوقات من غير سؤال فأجاب بأجوبة مختلفة، كل واحد منها لو حمل على إطلاقه أو عمومه لاقتضى مع غيره التضاد في التفضيل».

ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام: سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إيمان بالله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»، وسئل:صلي الله عليه وسلم «أي الأعمال أفضل»؟ قال: «الصلاة لوقتها». قال: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله «.

وفي النسائي عن أبي أمامة: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت: مرنى بأمر آخذه عنك، قال: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له»، وفي الترمذي: أي الأعمال أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»، وفي البزار: أي العبادة أفضل؟ قال: «دعاء المرء لنفسه»، وفي الترمذي «ما من شيء أفضل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خلق حسن»، وفي الصحيح: «وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر»، وفي الترمذي: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وفيه: «أفضل العبادة انتظار الفرج»، إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق، ويشعر إشعارًا ظاهرًا بأن القصد إنما هو بالنسبة للوقت أو إلى حال السائل؛ وقد دعا عليه الصلاة والسلام لأنس بكثرة المال فبورك له فيه وقال لثعلبة: «قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه»، وقال لأبى ذر: «يا أبا ذر إنى أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسى؛ لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم»، ومعلوم أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله، وقد قال في الإمارة والحكم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن»، وقال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»، وفي الصحيح: «أن أناسًا جاءوا إلى النبى صلي الله عليه وسلم فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: «وقد وجدتموه»؟» قالوا: نعم، قال: «ذلك صريح الإيمان»، وفي حديث أخر: «من وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله»، وعن ابن عباس في مثله قال: «إذا وجدت شيئًا من ذلك فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شى عليم»، فأجاب بأجوبة مختلفة والعارض كله واحد.

وقبل عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ماله كله، وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»، وجاء آخر بمثل بيضة من الذهب فردها في وجهه. وعن أبى رجاء العطاردى قال: قلت للزبير بن العوام: مالى أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة؟ قال: نبادر الوسواس. هذا مع أن التطويل مستحب ولكن جاء ما يعارضه»، إلخ [14]

ويعرف الشاطبى هذا المناط الخاص فيقول: «هو نظر في كل مكلَف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية؛ بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة حتى يلقيها ـ يقصد التكاليف ـ هذا المجتهد على ذلك المكلَف مقيدة بقيود التحرز من تلك المداخل، هذا بالنسبة إلى التكليف المنحتم وغيره، ويختص غير المنحتم بوجه آخر: وهو النظر فيما يصلح بكل مكلَف في نفسه بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص؛ إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد كما أنها في العلوم والصنائع كذلك» [15].

جـ- تجاهل الواقع ربما أدى إلى تقديم الإسلام للناس في صورة نظرية مجردة لا ترتبط ارتباطا وثيقًا بالحياة والسلوك اليومي، وهذا على العكس من طريقة القرآن (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً) [16] الذى أخرج للناس عقيدة من خلال حركة الجماعة وأحداثها وصراعها مع غيرها ونموها وتفاعلها مع نفسها وغيرها .. وأخرج للناس جماعة من خلال تأصيلات العقيدة وتوجيهاتها.

فربط بين الحدث والتوجيه ربطًا دقيقًا مع الحفاظ على تجرد توجيهات العقيدة وقوة تأصيلها إذا ما أردت أن تستخلصها من التنزيل. وهذا أمر في منتهى الأهمية [17].


[1]- فقه الواقع د. ناصر العمر، وانظر (فقه الواقع أصول وضوابط) للأستاذ أحمد بوعود كتاب الأمة عدد 75.
[2]-[سورة الأنعام آية: 55].
[3] فقه الواقع د. ناصر العمر.
[4]-صناعة الفكر مجلة البيان عدد 28.
[5]-[التوبة:122].
[6]-الأستاذ عمر عبيد حسنة مقدمة كتاب الأمة (فقه الواقع أصول وضوابط) عدد75.
[7] ماجد عرسان الكيلاني (هكذا ظهر جيل صلاح الدين و هكذا عادت القدس) 282.
[8]-انظر مبحث "ثوابت في إحياء الأمة"للباحث تحت الإعداد.
[9]-د. محمد محمد بدري (تحت رأية أهل السنة والجماعة).
[10]- فقه الواقع للشيخ ناصر العمر،ورغم كونه مبحث صغير في الحجم إلا أنه يحوي فوائد كثيرة جداً.
[11]- راجع أعلام الموقعين لابن القيم.
[12]- راجع الموافقات، الجزء الرابع.
[13]-[هود86:84].
[14]-الموافقات، جـ4، ص 99 - 103. بتصرف يسير.
[15]-الموافقات، جـ4، ص 98.
[16]-[الاسراء:106].
[17]-انظر (آداب يتحلى بها الداعية والباحث ومبادئ يلتزم بها) من مقدمة كتاب "حد الإسلام وحقيقة الإيمان "للشيخ عبد المجيد الشاذلي.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير