تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عقوبة الردة بين 'الفكرية' و'العسكرية' .. مناقشة مع الأستاذ الشنقيطي

24 - 2 - 2007

محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

أقتنع بمرافعة الأستاذ الشنقيطي ودونت عنها بعض الملاحظات، لكني لم أفكر حينها في نشرها بسبب ما أُكنُّ للأستاذ من التقدير، غير أني بعد فترة لاحظت في بعض أوساط الشباب من طلاب العلم تأثراً بتلك الأفكار، بحيث جعلهم ذلك يشكّون في كل ما كان من المسلمات بحجة " تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر"، على حد تعبير الأستاذ الشنقيطي،

عندما أعلن الدكتور حسن الترابي قبل مدة عن بعض الآراء الشاذة، ومنها إنكار عقوبة الردة أو ـ بعبارة منتقديه ـ إباحةُ الردة، تابعت القضية باهتمام، ولكنه لم يقدر لي أن أطلع على نص المحاضرة، إلا أني اطلعت على الدراسة التي كتبها الأستاذ الفاضل محمد بن المختار الشنقيطي فدافع فيها عن الترابي شخصيا ودافع عن بعض آرائه الشاذة تلك، وللأستاذ الشنقيطي في كتاباته أسلوبٌ علمي رصين وأدب رفيع يفرضان على القارئ احترامه وإن لم يقتنع برأيه، وقد كنتُ ذلك القارئَ فيما يتعلق بتلك الدراسة خصوصا أو بأكثر ما فيها على الأقل.

لم أقتنع بمرافعة الأستاذ الشنقيطي ودونت عنها بعض الملاحظات، لكني لم أفكر حينها في نشرها بسبب ما أُكنُّ للأستاذ من التقدير، غير أني بعد فترة لاحظت في بعض أوساط الشباب من طلاب العلم تأثراً بتلك الأفكار، بحيث جعلهم ذلك يشكّون في كل ما كان من المسلمات، بحجة " تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر"، على حد تعبير الأستاذ الشنقيطي، والشك مقبول مبدئياًّ لو أن صاحبه بحث المسألة علميا دون حكم مسبق.

لذلك قررت أن أقدم هذه الورقة حول إحدى أهم تلك القضايا وأخطرها؛ قضية الردة وعقوبة المرتد، هل هي دنيوية أم أخروية؟ عامة أم خاصة؟ قتل أم سواه؟؟ على أن أتناول القضايا الأخرى لاحقا إذا يسر الله، وبين يدي المناقشة أقدم ملاحظتين:

أما أولاهما، فهي أني لن أضيع وقتا في محاولة اتهام الترابي بإباحة الردة وتسوية الإسلام بالكفر، فالله حسيبه وهو أعلم به، إلا أني أيضا لا أبرّئه من تهمة التهوين من أمر الردة عن الإسلام ما دام هو الذي يقول: "ويخلِّي الشرعُ للإنسان أن يصرف رأيه تثبتا أو تعديلا أو تبديلا، ولو كان في أصل مذهبه مؤمنا، قد يؤاخَذ على ذلك غيباً في الآخرة، ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان" ([1])، وما من وجه — إطلاقا — لتشبيه هذا الكلام بقول الله تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " ([2]) كما جنح إلى ذلك الأستاذ الشنقيطي، ذلك أن الله تعالى يُتْبع هذا بالوعيد الشديد والتهديد لمن اختار الكفر: "إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " ([3]).

أما الترابي، فلا يريد أن يؤذي مشاعر الكفرة المرتدين فلا يجزم بشيء، وإنما " قد يؤاخذ " وكفى، ثم " لا يؤذيه أحدٌ في الدنيا "، وسوف ترى في ما يستقبل من هذا البحث أنه لم يخالف أحدٌ من المسلمين في وجوب معاقبة المرتد وإيذائه، ثم إن الآية في الكفار بالأصالة كما لا يخفى من السياق قبلها، أما كلام الترابي فيُدرج في كلامه الكافر بعد إيمان [أي المرتد]: "ولو كان في أصل مذهبه مؤمنا"، فالذي يدعي أن الترابي بهذا يبيح الردة ليس كالذي يدعي أن القرآن يبيح الردة ولا وجه للمقارنة. وعلى كلّ فإثبات التهمة في حق الترابي أو تبرئتُه منها لا يغير في نتيجة البحث وقد كثر القائلون بقوله في هذه الأيام.

الملاحظة الثانية: أن الاحتجاج بالعقوبة الأخروية وكونها "أغلظ من أي عقوبة دنيوية يتخيلها البشر" أمرٌ خارجٌ عن محل النزاع — رغم أن الترابي لا يجزم بالعقوبة كما أشرت سابقا — وإنما كل ما في الأمر هو هل أمر الشارع جل جلاله بمعاقبة من يبدل دينه في الدنيا؟ فإذا ثبت ذلك أو ثبت خلافه فهو لا يغير من حكم الآخرة شيئا، وإذا كان وجود العقوبة الأخروية يسقط العقوبات الدنيوية، فما أسعد المجرمين في الدنيا، وإذا كان لا بد من الحديث عن العقوبة الأخروية وحدها فذلك ممكنٌ في من أسرَّ كفره ولم نطلع عليه، تماماً كمن أسر شرب الخمر فلا نهتك ستره.

والآن ندخل في صلب الموضوع، فنقول:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير