تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الصريحة المرفوعة وجوبُ قتل المرتد، وأشهرُها حديثان: أحدهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري ([4]) وأصحابُ السنن وغيرهم، والثاني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ؛ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة " متفق عليه ([5]) ورواه أيضا أصحاب السنن.

والحديث الأول نص صريحٌ قطعي الدلالة لا يحتمل التأويل وليس من باب "الظاهر" فقط، وليس ظني الدلالة فقط وإن كان ظني الورود، والعلماءُ الذين تناولوه لم يعترضوا عليه ولم يلاحظوا فيه إشكالا ولا تعارضا مع الآية الكريمة " لا إكراه في الدين " ([6])، ومن لاحظ منهم ذلك كابن حزم فإنه اعتبر الحديث مخصّصا للآية فقال في الإحكام: " وقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) مخصوصٌ بالنصوص الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكره غيرَ أهل الكتاب على الإسلام أو السيف، وأيضا فإن الأمة كلها مجمعة على إكراه المرتد على الإسلام" ([7])، ولنا عود إلى الآية بعد قليل.

والحديث الثاني أيضا صريحٌ في المسألة وإن كان البعض قد حاول أن يتخذ من قوله " التارك للجماعة " دليلا على "الردة العسكرية" فهو أمر لم يقل به أحد من العلماء، بل إن ابن حجر أورد الحديث بروايات أُخَر تفسر هذه العبارة بما يزيح الإشكال فقال: " فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلّة وإلا لكانت الخصال أربعا، وهو كقوله قبل ذلك " مسلم يشهد أن لا إله إلا الله " فإنها صفة مفسّرة لقوله " مسلم"، وليست قيدا فيه إذ لا يكون مسلما إلا بذلك. ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان: "أو يكفر بعد إسلامه"، أخرجه النَّسائيّ بسندٍ صحيح، وفي لفظ له صحيح أيضا: "ارتد بعد إسلامه وله من طريق عمرو بن غالب عن عائشة: " أو كفر بعد ما أسلم "، وفي حديث ابن عباس عند النَّسائي " مرتد بعد إيمان " ([8]).

إذن فمفارقة الجماعة لا مفهوم لها هنا، بل إن الخروج على الجماعة بالسلاح يحل دمُ مرتكبه ولو لم يرتد عن دينه فلا تلازم بين الأمرين قال الإمام النووي في شرحه للحديث: " وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (والتارك لدينه المفارق للجماعة) فهو عامٌّ في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام" ([9])، وقال الإمام ابن دقيق العيد: الردة سببٌ لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل، وأما المرأة ففيها خلاف " ([1])، ويقول الإمام ابن المنذر: "وأجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد، فاستُتِيبَ، فلم يَتُب: قتل؛ ولا أحفظ فيه خلافًا. وأجمعوا على أن على من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل ( ... ) وأجمع أهل العلم أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويقتل المرء بشهادتِهما إن لم يرجع إلى الإسلام، وانفرد الحسن، فقال: لا يقبل في القتل إلا شهادة أربعة" ([11]).

ولعل هذا القدر يكفي في تقرير معنى الحديثين وقول العلماء فيهما فليس ثمة من يخالف في ذلك بل إن الأستاذ الشنقيطي يعتبر القول بالحد هو "النظرة الفقهية السائدة" بين العلماء وإن غمز من قناتها. ولكن الذي ينبغي التركيز عليه هنا ما يستدل به المنكرون لعقوبة الردة من آي وآثار، نجملها في أربعة مسائل:

أولا: ظواهر الآيات الكريمة المحكمة

لقد وردت آيات كريمة يفهم منها النهي عن الإكراه في الدين، ومنها قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقوله تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ([12])، فبالنسبة للآية الأولى أود التنبيه ابتداءً إلى أن إطلاق القول بإحكامها إطلاقٌ غير علمي، فبعض العلماء عدها من المنسوخ بآية السيف كما تجد في كثير من التفاسير، على أن القائلين بالإحكام — وهم الجمهور — جعلوها خاصةً في أهل الكتاب، قال الإمام ابن عطية: "وقال قتادة والضحاك بن مزاحم: هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صغرة، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلا (لا إله إلا الله) أو السيف، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية، ونزلت فيهم: {لا إكراه في الدين} " ([13])، قلت:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير