فلو أنَّ رجلاً ادعى أنَّه فقيه وقال: يجوز للرجل أن يتزوج بنكاح المتعة دون ولي ولا شهود، كما يجوز له أن يكشف عن فخذيه إلى قرب عورته، وأنَّ المرأة يجوز لها أن تكشف عن شعرها، وأنَّه يجوز حلق اللحية بالكليَّة، وأنَّه يجوز إتيان المرأة في دبرها، وأنَّه يجوز شرب النبيذ، وأنَّ ربا الفضل جائز، وأنَّ الاستماع للموسيقى جائز، وأنَّه يجوز إمامة المرأة للرجال، ويجوز شربُ الدخان لمن يقدر على شرائه، وأنَّه لا ينبغي إقامةُ حدِّ الردَّة على المرتد، وأنَّه يجوز للرجل تقبيل المرأة ومصافحتها، كما يجوزُ النظر بصورة فوتوغرافيَّة أو (فيديو) لامرأة عارية بحجَّة أنَّه لا يراها حقيقة بل يرى صورتها، وهكذا!
لو جاءنا رجل يدِّعي الفقهَ وقال: أختار القول بجميع هذه الآراء التي قال بها بعض الفقهاء، ثم أراد للأمَّة المسلمة أن تنتهج هذا المنهجَ في هذا الزمان؛ فما الذي سيقوله العقلاء في ذلك؟!
أدع الجواب للقارئ الكريم!!
ولو عُرِضَ صاحبُ هذه الأقوال وجامعُها على السابقين من أهل العلم والدين، لقالوا فيه الأقاويل واتَّهموه بفساد النيَّة وسوء القصد.
بل قرَّر العلماءُ المحقِّقون أنَّ بعضَ أهل العلم الذين زلُّوا في مسألة، أو اختاروا قولاً من هذه الأقوال، لم يمتطوا الترخصَ منهجاً في تلقي الفقه، أو الإفتاء به، فمن كان يقول بقول لا يقول بالقول الآخر، ومن زلَّ في مسألة بعينها لم يزلَّ في الأخرى، وإلاَّ لكان للعلماء قولٌ في توضيح وتحديد موقفهم تُجاهَ من أخذ بهذه الأقوال بالكليَّة، وقد ورد في سنن البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: "دخلت على المعتضد بالله فدفع إليّ كتابًاً، فنظرت فيه، فإذا قد جُمِعَ له من الرُّخص من زلل العلماء، وما احتج به كل واحد منهم؛ فقلت: مصنِّفُ هذا زنديق! فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديثُ على ما رُوِيت، ولكن من أباح المسكر النبيذ لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلّة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينُه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب" [2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn2).
وعليه فمن تأمَّل فكر (جمال البنَّا) فسيوقن أنَّه يتبنَّى عدَّة أقوال، بعضها رخص وزلاَّت زلَّ بها بعض العلماء، وبعضها الآخر بل الأكثر (ضلالات وجهالات) استقاها من عقله المضطرب فأورثت هذا المنهج الضال الذي ينشره بين الناس، ومنها:
(1)
رفضُه قواعدَ المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابة:
يرفض (جمال البنا) قواعدَ المحدثين في الجرح والتعديل التي من خلالها يثبت الحديثُ، وعلى رأسها "عدالة الصحابة"؛ إذ ينفي وجوبَ تعديلهم إلزاماً كما استقر المنهجُ عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون في الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابي للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس! [3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn3)
وعلى هذا الرأي سيكون من ورائه هدمُ أحاديث كثيرة، بل ستهدم السنَّة، بحجَّة خطأ قواعد الجرح والتعديل التي تداولها العلماءُ القرون تلو القرون، وانطلقوا من خلالها، وحكموا في ضوئها على الأحاديث!
ثمَّ إذا نفينا قواعدَ الجرح والتعديل التي أطبق عليها المحدِّثون؛ فإلى أي قواعد جرح وتعديل نستند؟
هل لآراء (جمال البنَّا)؛ التي يختلف معه فيها كلُّ علماء الجرح والتعديل سلفاً وخلفاً؟
وهل كان المسلمون يتعبَّدون الله -تعالى- بدين باطل قائم على جملة من الأكاذيب حتى جاء جمال البنا بكشفها؟
وأين الدليل على كذب صحابة رسول الله على رسولنا -محمد صلَّى الله عليه وسلَّم-؟!
ثمَّ لو كذب أحدٌ منهم -وحاشاهم- فهل سيوافقُه جميعُ الصحابة على كذبته تلك؟
إنَّها لإحدى الكبر!
هل يرضى (جمال البنَّا) أن يُقول القائلُ عنه شخصياً: ما الذي أدرانا بأنَّك لا تكذب على الناس في آرائك وفتاويك؛ لأنَّك إنسانٌ، ويجوز عليك الكذب والنسيان!! فهل يرضى ذلك لنفسه إذا ارتضى ذلك للصحابة الكرام!
وأمَّا قوله: (إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس!).
¥