ب - صحح الإمام مسلم الحديث على شرطه، وقد أشار ابن حزم إلى أنإسناد حديث المغيرة بن شعبة لا معارض له ولا مطعن فيه. (5)
الاعتراض الثاني:
وهذا الاعتراض آت من القائلين بأنهيكفي مسح بعض الرأس عند الوضوء، كالشافعية ومن وافقهم.
قالوا:
" إن حديثالمغيرة بن شعبة دل على أن الاقتصار على مسح العمامة لا يجزء، وإن هذا الحديث يؤكدأن مسح بعض الرأس يكفي في الوضوء، ولا يشترط مسح جميع الرأس: لأنه لو وجب ذلك لمااكتفى بالعمامة عن الباقي"
وأيد الخطابي ذلك فقال:
" إنما وقع اداءالواجب من مسح الرأس بمسح الناصية، إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعا له، وقالوا: بأنه يستحب لمن عليه عمامة أن يمسح بناصيته، ويتم المسحعليها. (6)
وقالوا أيضا: الأحاديث التي وردت في المسح على العمامة فقط فيهااختصار، وأن المراد مسح الناصية والعمامة ليكمل سنة الاستيعاب، وهذا ما صرح به فيحديث المغيرة بن شعبة، وأشهر من قال بذلك الخطابي والبيهقي. (7)
* ويمكن الإجابة عن ذلك بما قاله ابن حزم:
" رامهؤلاء أن يجعلوا كل ما في خبر المغيرة حكاية عن وضوء وحد " ... إلى أن قال:
" بلهو خبر عن عملين متغايرين، هذا ظاهر الحديث ومقتضاه، وكيف وقد رواه جماعة غيرالمغيرة " أهـ (8)
الاعتراضالثالث:
جاء من القائلين بوجوب مسح جميع الرأس (9)، وهم المالكية ومنوافقهم، وقد نقل القرطبي اعتراضهم في تفسيره فقال:
" أجاب علماؤنا عن الحديث بأنقالوا: لعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لعذر الاستعجال والاختصار، وحذف كثيرمن الفرائض لأجل المشقات والأخطار، ثم هو لم يكتف بالناصية حتى مسح على العمامة،فلو لم يكن مسح جميع الرأس واجبا لما مسح على العمامة،والله أعلم"أهـ (10)
* وقد أجاب ابن القيم – رحمه الله – عن ذلك حيثقال:
" إن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة مقتصرا عليها ومعالناصية، وثبت عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث، لكن في قضايا أعيان يحتمل أنتكون خاصة بحال الحاجة والضرورة، ويحتمل العموم كالخفين، وهو أظهر،والله أعلم" (11)
ـــــــــــــــــــ
1 - صحيح مسلم بشرحالنووي:2/ 175.
2 - ابن المنذر، الأوسط:1/ 466، ابن قدامة، المغني:1/ 308،ابنحزم، المحلى:2/ 58،البهوتي، كشاف القناع:1/ 112،المباركفوري، تحفةالأحوذي:1/ 290،الشوكاني، نيل الأوطار:1/ 165،ابن عثيمين، الشرح الممتع:1/ 195.
3 - ابن عبد البر، الإستذكار: 1/ 211،الجصاص، أحكام القرآن:3/ 357، الكاندهلوي: التعليقالممجد:1/ 287.ويبدوا لي والله أعلم، أن ابن عبدالبر عندما أشار في كتابه الاستذكارإلى كون حديث المغيرة بن شعبة معلول لم يقصد بذلك أن يعل الرواية التي ذكرها مسلمفي صحيحه، بل حديث المغيرة بن شعبة الذي أتى إسناده من طريق إسماعيل بن علية عن أيوبعن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب، وما أكد لي أن قصد إعلال هذه الرواية ما وضحهبنفسه في كتابه التمهيد [7/ 277] حيث أعل هذه الرواية؛ لأن بين ابن سيرين، بين عمروبن وهب رجل، وعندما ذكر في نفس الكتاب الرواية التي صحح بسببها مسلم الحديث لم يعلقعليها؛ ولذلك أعتقد أن أغلب العلماء الذين أعلوا الحديث لم يقصدوا إعلال روايةمسلم،والله أعلم وأحكم.
4 - الترمذي، سننه:1/ 157، الخطابي، إعلاءالسنن:1/ 58.
5 - صحيح مسلم بشرح النووي:2/ 175،ابن حزم، المحلى:2/ 58.
6 - الخطابي، معالم السنن:1/ 102، الشافعي، الأم:1/ 92،الشيرازي، الم هذب:1/ 226، شرح النوويعلى صحيح مسلم:1/ 176،العيني، البناية:1/ 602،الجصاص، أحكام القرآن:3/ 357.
7 - البيهقي، معرفة السنن والآثار: 1/ 274،الخطابي، معالم السنن:1/ 102،واعلاءالسنن:1/ 58.الآلوسي: الأجوبة العراقية:237.
8 - ابن حزم، المحلى:2/ 61.
9 - قالالقرطبي:
" اختلف العلماء في تقدير مسحه - يقصد الرأس - على أحد عشر قولا،ثلاثة لأبي حنيفة، وقولان للشافعي، وستة أقوال لعلمائنا، والصحيح منها واحد وهووجوب التعميم ... وأجمع العلماء على أن من مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه.
وقال - قاصدا قوله تعالى: {وَامْسَحُواْبِرُؤُوسِكُمْ} (المائدة:6) –:
"والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض: والمعنى وامسحوا رؤوسكم، وقيل دخولها هنا كدخولها في التيمم في قوله تعالى: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ} (المائدة:6)
¥