وهذا الإيمان يتحقق بالتصديق والانقياد المجمل، وتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، واستحقاقه – سبحانه – وحده للعبادة، وإتباع أوامره ونواهيه، وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه المرتبة لا يشترط فيه وجود العلم التام بالإيمان، فإذا عمل بهذا كله؛ فقد حقق أصل الإيمان الذي ينجو به من الكفر، ومن الخلود في النار، ومصيره يكون إلى الجنة؛ إن مات عليه، وإن قصر في بعض الواجبات، أو اقترف بعض المحرمات.
وصاحب هذه المرتبة يدخل في دائرة الإسلام، أو الإيمان المقيد، وكذلك يدخل فيه من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم، ويدخل فيه – أيضاً – أهل الكبائر عموماً، ويسمى صاحبه: مؤمنا ناقص الإيمان، أو فاسقاً، أو عاصياً .. إلخ.
المرتبة الثانية:- (الإيمان الواجب)، ويسمى أيضاً (الإيمان المفصل) أو (الإيمان المطلق) أو (حقيقة الإيمان).
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (أصل الإيمان) ويكون صاحبها ممن يؤدي الواجبات ويتجنب الكبائر والمنكرات، ويلتزم بكل تفصيلات الشريعة؛ تصديقاً والتزاماً وعملاً، ظاهراً وباطناً؛ حسب استطاعته، وبقدر ما يزيد علمه وعمله يزداد إيمانه، وإذا ارتكب بعض الصغائر؛ يكفر عنه حسناته واجتنابه للكبائر، ولكن المتورع عن الصغائر أكمل إيماناً ممن يقع فيها.
وصاحب هذه المرتبة؛ موعود بالجنة بلا عذاب؛ وينجو من الدخول في النار؛ إن مات على ذلك، ويدخل في عداد المؤمنين الأبرار.
المرتبة الثالثة:- (الإيمان المستحب)، ويسمى أيضاً (الإيمان الكامل بالمستحبات).
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (الإيمان الواجب) وهي مرتبة (الإحسان) وصاحبها لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المنكرات؛ بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، واجتناب المكروهات والمشتبهات؛ بقدر ما ييسر الله تعالى له ذلك.
ويتفاوت أصحاب هذه المراتب، بقدر تفاوتهم بالعلم والعمل، ويقابل ذلك تفاوتهم في درجات العلى من جنة الخلد.
س4) - ما هو الدليل على هذه المراتب الثلاثة؟
الدليل قوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) سورة فاطر 32 و 33.
فالمراتب الثلاثة للإيمان على النحو الآتي:-
السابق بالخيرات:- هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات، والمتورع عن المكروهات، والمجتنب للمحظورات والمشتبهات، وهو صاحب (الإيمان الكامل المستحب).
المقتصد:- المكتفي بفعل الواجبات، واجتناب المحظورات، وإن لم يحافظ على المسنونات، ولا تورع عن المكروهات، وهو صاحب (الإيمان الواجب).
الظالم لنفسه:- هو المفرط في بعض الواجبات، والمرتكب لبعض المحرمات والمعاصي التي لا تصل إلى الكفر، أو الشرك الأكبر، وهو صاحب (الإيمان المجمل).
الفرق بين الإيمان والإسلام
س5) - الإيمان والإسلام هل هما بمعنى واحد، أم أن أحدهما غير الآخر؟
ان المتتبع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ يجد أن اسم الإيمان تارة يذكر مفرداً غير مقرون باسم الإسلام، وتارة يذكر مقروناً به، وكذلك العكس؛ فإنهما أحياناً يكونان بمعنى واحد فهما مترادفان، وتارة يراد من أحدهما معنى يغاير لمعنى الآخر؛ فيكونان متغايرين.
والذي عليه أكثر العلماء؛ أن مسمى الإسلام غير مسمى الإيمان، وبينهما فرق؛ فباعتبار الحقيقة اللغوية يفترق الإسلام والإيمان وباعتبار الحقيقة الشرعية يتضمن الإيمان الإسلام؛ لأن بينهما تلازماً في الوجود، فكل واحد منهما مكمل للآخر بحيث لا ينفكان عن بعضهما، وأنهما إذا اجتمعا اختلفا في مدلولهما، وإذا افترقا اجتمعا في مدلولهما، وأنه إذا وجد أحدهما في نص دون الآخر فهو لازم له، وإن اجتمعا في نص واحد فكل منهما يفسر بمعناه المذكور بمعنى أنه إذا اجتمعا باللفظ افترقا بالمعنى، أي: إذا قرن الإسلام والإيمان في نص فيراد بالإسلام الأعمال الظاهرة من العبادات: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، أي: الاستسلام لله تعالى، والخضوع والإنقياد له
¥