تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهاهنا التوزيع بالتساوي، وقد يتفاوت الاستهلاك بين شخص وآخر، كما قد يتفاوت مبلغ الاشتراك. فكيف يجوز التساوي هنا في الغذاء، ولا يجوز في الماء؟ هؤلاء قلَّ طعامهم في المدينة، وهؤلاء قلَّ ماؤهم في جدة. الجواب أن الأشعريين ربما كان اشتراك كل منهم حسب درجة غناه، بدلالة مقدار زاده، وربما أشركوا معهم الفقراء دون أن يقدموا شيئًا من الطعام، وقد تكون أزوادهم متقاربة في القيمة، واستهلاكهم كذلك، ففي حالتهم دفع كل واحد مالاً، وربما استهلك بقدر ماله المدفوع.

وقد تنطبق حالة الأشعريين على حالة سكان العمارة موضع البحث لو أن كل شخص من سكان العمارة دفع 10 ريالات مثلاً، واستهلك بمقدار 10 ريالات تقريبًا. فالشركة بين الأشعريين قامت بين فرد وفرد، أما بين سكان العمارة فقد قامت بين مجموعة ومجموعة، وكل منها لا تساوي الأخرى، فمجموعة فيها عشرون شخصًا، وأخرى فيها شخصان فقط. ثم إن كلاً من الأشعريين فعل ذلك عن طيب نفس منه، أما سكان العمارة فإنهم غير راضين، بل هم يتشكون ويتذمرون ويعترضون، وربما يدعون على صاحب العمارة وعلى الحارس وإمام المسجد وغيره ممن تسبب في ظلم بعضهم ومحاباة بعضهم الآخر، ودعاء المظلوم مستجاب. وإذا كان صاحب العمارة محبًا لهذا النوع من التكافل في غير محله، فلماذا لا يقوم هو بالدفع من جيبه الخاص عن أصحاب الأعداد الكبيرة، بدل أن يقوم بتجيير عبئهم على جيوب الآخرين؟

ولهذا فإن توزيع كلفة الماء على سكان العمارة يجب أن تكون بالعدل، ولا يجب أن تكون بالمساواة. فالتفاوت بين المتفاوتين عدل، والتساوي بين المتفاوتين ظلم ومحاباة. ويمكن توزيع كلفة المياه على الشقق بالتساوي إذا كان حجم الشقق متساويًا، وعدد الأفراد في كل منها متساويًا، أي إذا كان استهلاك كل منها متقاربًا. وهذا يعني أن توزيع كلفة الماء على حسب عدد الرؤوس، بدل عدد الشقق، هو حل مؤقت ريثما تركب عدادات مياه للشقق، بعد أن ولى عهد الماء المجاني أو شبه المجاني، فالماء يرتفع سعره، والاستهلاك يتفاوت بين فرد وآخر، وهناك شقق ربما تترك الماء يتسرب ويضيع نتيجة الإهمال وعدم صيانة الصنابير والمراحيض، وقد لا يكترثون بذلك لأن الماء مجاني أو يوزع بصورة غير عادلة. وقد سبق أن قامت الدولة بحملات تفتيشية على المنازل لمكافحة بعض الأمراض أو الحشرات، فلماذا لا تقوم بحملات مماثلة لمنع إسراف الماء عند فريق، وتسربه عند فريق آخر، بغرض ترشيد الاستهلاك وزيادة الوعي المائي؟

جوانب أخرى للموضوع:

- هل مشكلة المياه مشكلة حقيقية أم مختلقة؟ كل واحد في نهاية المطاف يحصل على حاجته من الماء، من تحت الأرض بالأنابيب أو من فوقها بالصهاريج، بسعر زهيد أو بسعر مرتفع، وهذا يعني أن الماء كاف، ولكن يُغض النظر عن السماسرة الذين يريدون بيعه بأسعار أعلى. هل انتقل بعض المضاربين من المضاربة على الأسهم في البورصات إلى المضاربة على العقارات إلى المضاربة على مياه الشرب؟ هؤلاء المضاربون يتمنون لو أن الهواء يُحبس عن الناس ثم يبيعونه إليهم بأغلى الأثمان! إنهم يشترون المياه بثمن بخس ويعيدون بيعه بثمن مرتفع، وربما يحصلون عليه بهذا الثمن البخس أو بالمجان عن طريق الرشوة أو الجاه أو النفوذ. ألا يجدر بالدولة أن تمنعهم فورًا من التلاعب والاحتكار والاستغلال والغش، على الأقل في مجال الحوائج الأصلية أو الأساسية لعموم الناس، بل في مجال الضرورات الحيوية التي يقف على رأسها الماء!

- من يضمن للناس أن لا يأتيهم هؤلاء السماسرة بماء ملوث، ينشر الأمراض والأوبئة، لا شك أنهم يضاربون ويغشون ولا يبالون، والناس باتوا غير آمنين على أفواههم، بل ولا على أدبارهم.

- إذا كان الجميع في المحصلة يحصلون على حاجتهم من الماء، فهذا يعني أن الماء كاف، ولكنه يباع إلى السماسرة والتجار الفجار الذين يتحكمون بأسعاره، ويكون تحكمهم أكبر كلما كان المستهلك أشد فقرًا وبؤسًا. هل هذا هو الاقتصاد الإسلامي أم هذا هو الاقتصاد الرأسمالي الذي تنتقل إلينا آفاته بسرعة عجيبة في جميع الميادين. لا بأس في الاقتصاد الإسلامي أن يكون هناك أثرياء وأقوياء، ما دام ثراؤهم قد تحقق بطرق مشروعة، وما دام أنهم لا يُمكَّنون من ظلم الفقراء والضعفاء وابتزازهم، أي ما دام غناهم ليس غنى مُطغيًا. وهذا هو الفرق بين النظام الإسلامي وبين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير