قال الشيخ عبدالكريم الخضير:هذا في أوقات الفتن المدلهمة التي لايستطيع الإنسان فيها أن يخرج سالما ولهذا أجازوا تمني الموت في زمن الفتن ,جاء النهي عن تمني الموت (لايتمنى أحدكم الموت لضر نزل به) ,لكن جاء انه في آخر الزمان يأتي الرجل إلى صاحب القبر يقول ياليتني مكانك لماذا لأن الضرر محقق بالبقاء فالموت وزوال الدنيا أسهل بكثير من أن يعرض الدين للخطرفإذا وصل الحد إلى هذا الأمر جاز للإنسان أن يتمنى الموت. أ.هـ
فماهو الحل للخروج من هذه الفتن
لاشك أن الاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو المخرج من هذه الفتن
ولكن ماذا عن الناس
ماذا يفعلون بعد الاعتصام بالكتاب والسنة
هل يبقون على الخلطة أم لابد من العزلة
أيهما أفضل الخلطة أم العزلة
جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ ".
إذا وجدت الفتن وتلاطمت وعجز الإنسان عن حماية نفسه وخشي على نفسه أن يتأثر وهو ليس بمؤثر في غيره ينطبق عليه هذا الحديث وهذا الحديث في الفتن التي لايدرى وجه الصواب فيها
قال الشيخ عبدالكريم الخضير أطال الله بقاءه على الطاعة ونفعنا بعلمه: فالشخص المؤثر في غيره لاشك أن الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم وبذل الجهد في نفعهم هذا هو المتعين.
العزلة والخلطة يبحثها أهل العلم ابوسليمان الخطابي له كتاب من انفع الكتب في فضل العزلة
وهناك عزلة كلية وعزلة جزئية
فشخص يصلي الجمع والجماعة ويحضر المناسبات لكنه لايكثر الخلطة مع الناس لان كثرة الخلطة في الناس لاشك أن أثرها على القلب ظاهر وهذا يختلف باختلاف الناس ,في الجملة إن كثرة الخلطة مع الناس لابد أن يكون لها اثر على القلب ,فالعزلة فيها نفع عظيم لاسيما في الفتن التي لايستطاع دفعها ولا رفعها ويخشى من تأثر الإنسان بها فإذا كان الإنسان من النوع المؤثر هذا لايجوز له أن يعتزل الناس بل لابد أن يخالط الناس ويؤثر فيهم وأما إذا كان يتأثر ولا يؤثر فمع وجود هذه المنكرات وغيرها عليه أن يعتزل ,وقد قال شراح البخاري وغيره "المتعين في هذه الأزمان العزلة لعدم خلو المحافل من المنكرات "يقولون هذا قبل الانفتاح وقبل الدشوش وقبل اختلاط المسلمين بغيرهم وقبل العادات الوافدة من الكفار ,شراح بعضهم في القرن الثامن وبعضهم في القرن التاسع أي قبل 600 سنه و500 سنة.أ. هـ
وإليك أخي الكريم شيء مماذكره الخطابي في كتابه العزلة:
قال أبو سليمان وأنشدت هذا البيت:
هذا الزمان الذي كنا نحذره
في قول كعب وفي قول ابن مسعود
إن دام هذا ولم يحدث له غير
لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
قال أبو سليمان حدثنا إبراهيم بن فراس حدثنا احمد بن علي بن سهل قال حدثنا العباس بن الحسين قال أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتمثل بهذين البيتين:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتحدثون مخانة وملاذة
ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
قال أبو معاوية قالت عائشة رضي اله عنها: ويح لبيد لو أدرك هذا الزمان.
قال عروة وكيف لو عاشت عائشة رضي الله عنها إلى هذا الزمان؟
قال هشام: فكيف لو بقي عروة إلى هذا الزمان؟
وقال أبو معاوية: فكيف لو بقى هشام إلى هذا الزمان؟
وقال العباس بن الحسين نحو ذلك.وقال احمد بن علي: وقال ابن فراس مثله.
أخبرنا أبو سليمان قال: أخبرني محمد بن سعدوية قال: حدثنا ابن الجنيد قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو سعد الأعمى قال: حدثنا عافية القاضي، عن ابن أبي ليلى: قال: «سيأتي على الناس زمان يقال له زمان الذئاب فمن لم يكن في ذلك الزمان كلبا أكلوه» قال أبو سليمان قال قتيبة: هو هذا الزمان
وختم كلامه عن العزلة رحمه الله بهذه الرائعة:
قد انتهى منا الكلام في أمر العزلة إلى حيث شرطنا أن نبلغه وأوردنا فيها من الأخبار ما خفنا أن نكون قد حسنا معه الجفاء من حيث أردنا الاحتراز منه، وليس إلى هذا أجرينا ولا إياه أردنا فإن الإغراق في كل شيء مذموم وخير الأمور أوسطها والحسنة بين السيئتين، وقد عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإغراق في عبادة الخالق عز وعلا والحمل على النفس منها ما يؤودها ويكلها ويدها، فما ظنك بما دونها من باب التخلق والتكلف
ومع ذلك لابد للإنسان من مخالطة الناس فقد ذكر الخطابي
عن وهيب بن الورد قال: «قلت لوهب بن منبه: إني أريد أن أعتزل الناس، فقال لي: لا بد لك من الناس وللناس منك؛ لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعا أعمى بصيرا سكوتا نطوقا»
أخبرنا بشر بن رافع قال: أخبرني شيخ من أهل صنعاء يقال له أبو عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: إني وجدت في حكمة آل داوود: «حق على العالم أن لا يشغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يحل ويجمل. فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات، واستجمام للقلوب، وفضل، وبلغة، وعلى العاقل أن يكون عارفا بزمانه، ممسكا بلسانه، مقبلا على شأنه»
نسأل الله أن يعصمنا من الفتن ماظهر منها ومابطن
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم