[جنايات على العلم والمنهج (8) .. ظاهر اللفظ]
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[08 - 07 - 08, 11:52 م]ـ
[جنايات على العلم والمنهج (8) .. ظاهر اللفظ]
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
وبعد ..
فمن أكثر ما يغيظ النفس المؤمنة ويملأ جنباتها بالكمد =أن يُسيطر تركيب مولد كهذا على المتفقهة ويصير حجر رحى تدور عليه عملية الاستنباط والاجتهاد ..
هذا لو كان مولداً فحسب .. فكيف لو كان هو وجل ما يتعلق به من المسائل =من أودية الباطل لا غير.
وللدلالة على ما أريد أقول:
ظاهر اللفظ يُطلق ويراد به ما فهمه المتلقي من كلام المتكلم.
وتارة يراد به نفس ما أراده المتكلم بكلامه.
كذا قال الشيخ ..
والبين من حال المشتغلين بالعلم بعد القرون المفضلة وعصر الأئمة،ولغلبة طاغوت المجاز والفكرة الباطلة المسماة بأصل الوضع =هو جعل ما يفهمه المتلقي –وفقاً للوضع اللغوي- هو عين مراد المتكلم .. وسمي ذلك بهذا الاسم: ظاهر اللفظ.
وصار الأمر قضاء مبرماً = أن تقرأ النص من كلام الله أو كلام رسوله فيكون ما يتبادر إلى ذهنك من معنى النص –مع تقويم هذا المتبادر بالوضع اللغوي –هو عين ما أراد الله ورسوله بهذه الألفاظ.
ثم صار هذا الظاهر أصلاً لا يجوز الخروج عنه إلا بدليل؛فإن وجد هذا الدليل المُخرج عن هذا الظاهر جاز الخروج عن الظاهر وساغ وصارت هذه العملية تُسمى تأويلاً، وبالطبع فهذا التأويل المرتكز على دليل يُسمى تأويلاً صحيحاً وغير المرتكز على دليل يسمى تأويلاً فاسداً أو تحريفاً.
ثم رزق الله الأمة بالظاهرية فكان من كلامهم: ((ولا يحل لأحد أن يحيل آية عن ظاهرها،ولا خبراً عن ظاهره .. ومن أحال نصاً عن ظاهره في اللغة بغير برهان من [نص] آخر أو إجماع فقد ادعى أن النص لا بيان فيه ... )).
ولا حظ بعض الأذكياء أننا لو استثنينا قضية القياس والتعليل؛فليس بين الظاهرية والجمهور خلاف منهجي مؤثر بل منهج الظاهرية هو عينه منهج الجمهور من جهة قضية ظاهر اللفظ،وإنما الخلاف في تطبيق هذه النظرية،ويوسع دائرة الخلاف في التطبيق هجر الظاهرية لدلالة القياس ..
ولذا عبر بعضهم بقوله: والظاهرية (كمنهج) هي طريقة الصحابة وهي التي ينبغي أن تكون طريقتنا جميعاً بناء على نظرية ظاهر اللفظ،,إنما المعيب هو الظاهرية (كمذهب) لما فيه من الزيادات على نظرية ظاهر اللفظ.
ومن أعظم ما لبس به من الحق لتقرير باطل نظرية ظاهر اللفظ=عربية القرآن وكونه بلسان عربي مبين وكون النبي (ص) عربياً يُخاطب عرباً بلسانهم.
والآن وقد أظهرنا صورة القضية فقد آن أوان الفحص عن بطلانها وزيفها ...
أولاً: كان يكون هذا المنهج الذي يجعل ما يتبادر إلى ذهن السامع –وفقاً للوضع اللغوي-هو عين مراد المتكلم =صحيحاً صواباً لو:
1 - لو كانت قضية الوضع اللغوي الأول قضية صحيحة ثابتة .. ولكنها للأسف حديث خرافة.
2 - لو كان اللفظ يستعمل في لسان العرب قوم النبي بإزاء معنى واحد فحسب.
3 - لو كان هذا المعنى الواحد-لو كان-معروفاً مضبوطاً.
4 - لو كانت معاجم العربية –وهي عمدة القوم في معرفة معنى اللفظ في اللغة-تفصل فصلاً ظاهراً وتبين بياناً واضحاً معاني الألفاظ في لسان العرب قوم النبي ولا تخلطها بمعاني الألفاظ عند من بعدهم إلى ثلاثمائة عام أحياناً.
5 - لو كانت معاجم العربية مصادر موثوقة بإطلاق لا يحتاج النظر فيها إلى اجتهاد خاص.
6 - لو كانت معاجم العربية تعتمد كلها على النقل الذي لا رأي فيه.
7 - لو كان لسان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُفارق لسان قومه قط.
8 - لو كان فهم مراد الله والرسول لا يتوقف سوى على معرفة الأوضاع اللغوية.
9 - لو كانت ألسنة الناس لا تختلف ويختلف تبعاً لها ما يسبق إلى ذهن المتلقي من معاني الألفاظ.
10 - لو كان النص الواحد-بالنسبة لنا- يصلح لمعرفة مراد الله ورسوله به.
فإن قلتَ: إذا استثنينا ما أثرتَه عن الوضع اللغوي والمعاجم كمصدر للوقوف عليه =فقد احترز القوم لغالب ما ذكرتَ بعدُ بفسحهم الباب للنظر في بقية الأدلة التي قد تصرف هذا اللفظ عن ظاهر فلا يزال باب الوصول إلى مراد المتكلم مفتوحاً لم يُغلق بمجرد إثبات هذا الظاهر.
قلنا: إنما مثل هذا كمثل مسافر يسلك طريقاً يعلم أنه لا يهديه إلى مقصده ثم يتعلق بأنه ربما وجد طرقاً أخرى تعيده إلى الطريق الذي سيوصله إلى مقصده.
فعلامُ إذا يا صاحبي النصب، والطريق لاحبة بينة متضحة لا لبس فيها ولا غبش ..
ولا تأمن في طريقك الذي سلكت من عقبات وتطويل ..
فمن متمسك بهذا الظاهر الأول لا يأبى الانتقال عنه ولو جئته بكل آية .. وهو معذور في ذلك لأننا وافقناه في أن هذا الظاهر الأول حق يصلح للتمسك به ..
نعم. هذا أحد أكبر أودية الباطل في نظرية ظاهر اللفظ تلك، وهي أن أصحاب هذه النظرية يُقرون بأن هذا الظاهر الأول المبني على الوضع اللغوي فحسب =حق يصلح للتمسك به وعدم الزوال عنه إلا بدليل ..
ولا يكون هذا الظاهر إلا أحد مفردات الباب التي تجمع إلى بعضها لمعرفة تفسير كلام المتكلم على ما سنبيبن بعدُ، أما أن يُجعل بالمكانة التي وصفت .. فلا.
أما التطويل في تلك الطريقة فهي النزاعات المستمرة بين متمسك بالظاهر –الذي ليس بحق أصلاً-وبين مورد أدلة وبين معترض عليها وبين وبين ...
والحال: أن كل هؤلاء لم يسلكوا الطريق الحقة في تفسير كلام المتكلم أصلاً وليس معهم من العلم إلا غبرات في أوعية ضيقة لا تسمن ولا تغني .. فضلاً عن أن تُجعل حججاً تَدفع ويُدفع بها.
يتبع
¥