1 - ما رواه أبو داود عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: ((اهْتَمَّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ، لَهَا فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ - يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ: شَبُّورُ الْيَهُودِ - فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ:" هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ " قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ: " هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى")).
قال شيخ الإسلام: "وهذا يقتضي نهيه عن كل ما هو من أمر اليهود والنصارى".
2 - عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ)) وهذا تصريح منه صلّى الله عليه وسلّم بالأمر بالمخالفة.
ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " اقتضاء الصراط المستقيم ".
فهذه النصوص وغيرها تدل على تحريم مشابهة الكفار في جميع خصائصهم، والعلة في ذلك أن المشابهة في الظاهر تفضي للمشابهة في الباطن، قال ابن تيمية رحمه الله: " إنّ المشاركة في الهدي الظّاهر تورث تناسبًا وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإنّ اللاّبس لثياب أهل العلم يجد من نفسه نوعَ انضمام إليهم، واللاّبس لثياب الجند المقاتلِة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضيًا لذلك، إلاّ أن يمنعه مانع ".
وقال: "المشابَهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابَهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتّدريج الخفيّ ".
وصدق رحمه الله، فإنّه لما حرَص بعض المنتسبين إلى الإسلام على التشبّه بالكفّار من اليهود والنصارى، في كلّ صغيرة وكبيرة وتركوا ما أوجب الله عليهم من البراءة منهم وكراهيتهم، وتخلّوا عن هذه الشّعيرة المهمّة من شعائر الإيمان، آلَ بهم الأمر إلى تصحيح أديان هؤلاء الكفار، بل والدّعوة إلى توحيدها مع دين الإسلام، وهو ما يعرف بوحدة الأديان، كلّ ذلك أثرٌ من آثار التشّبه بالكفّار والتدرّجِ في مضاهاتهم في كلّ صغيرة وكبيرة والله المستعان.
أما القول بأنّ الدول الإسلامية لا تطبّق الشّريعة فهي ودول الكفر سواء، فهو غير صحيح، ولا يجوز للمسلم أن يسوّي بين دول الكفر والدّول الإسلاميّة وإن كانت لا تطبّق الشّريعة، فإنّها مع ذلك أهون بكثير من ديار الكفر، والشّرع الحنيف لم ينه عن مخالطة الكفار والإقامة بينهم بسبب عدم الحكم بالشّريعة فقط، بل هناك علل أخرى ومن أظهرها عداوتهم لله ورسوله المؤمنين وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلّة بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ))
وأما القول بأنّ هذه الدّول تسمح بحرّية الدّين والمعتقد، فالجواب عليه من أوجه:
أ) إنّ الواجب على المسلم التّسليم والانقياد لحكم الله ورسوله، ولا يكون مؤمناً حقاً حتى يُحَكِّم النّصوص الشّرعية سواء وافقت عقله القاصر وهواه أو لم توافقه، يقول سبحانه: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً))، وعلى العبد أن يوقن أن حكم الله فيه غاية المصلحة والخير الدنيوي والأخروي للعباد، وأن العبد إذا ظهر له خلاف ذلك فإنما هو لقصوره البشري، لأن سبحانه هو واضع هذه الأحكام، وهو أدرى بمصالح العباد من أنفسهم، يقول تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)).
ب) قد سبق أن بينّا أن الصّحيح من أقوال أهل العلم من السّلف والخلف وجوب الهجرة من بلاد الكفر على من استطاع ذلك وإن أمكنه إظهار دينه.
ج) إنّ ما يذكر عن هذه الدول من حرية الدين والمعتقد هو مجرّد دعوى، والنّاظر لواقع كثير من هذه البلدان يرى ما يعانيه المسلمون من التّضييق، منها ما جاء في السّؤال السّادس من قولكم: (فإنّكم تعلمون عدم سماع الأذان في هذه الديّار)، ومنها القرار الفرنسي القاضي بمنع الحجاب، والأمثلة على ذلك كثيرة، فأين هي حرّية الدّين و المعتقد المزعومة؟!.
¥