وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسته
فيتكلفون في تأويل: (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا).
أي: إلا إلى هنا، (إلى) حرف جر بعده (هنا)، ما هذا التأويل؟! لذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلاً: أنا أقول لو قال قائل: القسيس خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيداً بطريقة الصوفية، وهو رب القسيس، وهذا معروف في اللغة، وهو تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف:82] اسأل ماذا؟ حيطانها؟! شجرها؟! لا.
إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسه يوحي به إلى السامع، فهنا لا يتساءل أحد: يا ترى هل المقصود هنا فعلاً القرية؟ الجواب: لا.
ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية بالمجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة والمجاز، يقول: إن تسمية هذه العبارة بأنها مجاز من باب حذف المضاف، فهذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنى واحداً هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف، كذلك -مثلاً- في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة سال الميزاب، أي: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلاً؛ لكن مَن من العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة؟ فيقولون: هنا المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازاً في هذا المثال هو المعنى الحقيقي المراد منه، سال الميزاب، أي: سال ماء الميزاب، مثل: واسأل القرية تماماً، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية، منها مثلاً: جرى النهر، النهر: هو الأخدود الذي يجري فيه الماء، فعندما يقول العربي: جرى النهر، فلا هو يعني: جرى الأخدود نفسه بدون ماء، ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر.
إذاً: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز: هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد وهو: اسأل القرية، أي: أهلها سال الميزاب، أي: ماؤه جرى النهر أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات وأحاديث الصفات، بأن يلجئوا إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات على حقائقها، لا سيما وهم يقولون -المتقدمون منهم والمتأخرون- الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها، فمثلاً قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] أي: بذاته، فيقولون: لا يجوز هذا الفهم، ويتأولونه (جاء رحمة ربك)، فأيّ مضاف محذوف يقدمونه؟ وعلى ذلك فقس، ونحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه (وجاء ربك) لكن كيف يجيء؟ لا ندري، وهذا البحث طرقه العلماء قديماً وحديثاً، ونحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضاً.
الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يفسر به هو على الحقيقة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون) فهو يسمع قرع النعال على الحقيقة، بل أنا أقول خلاف ما قلت أنت، فلا يمكن أن نتصور أنه يسمع كل شيء؛ لأنه هو بكل شيء سميع، وهذا أمر مستحيل! لكن ما دام أن الأصل أن الموتى لا يسمعون كما شرحنا لكم آنفاً، فإذا جاء نص ما يعطي لميت ما أو موتى سماعاً ما نستثنيه من القاعدة، نقول: إن المشركين في القليب سمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما كان يجري حولهم من أحاديث الصحابة، وحينما قال عمر: يا رسول الله! إنك لتنادي أجساداً لا أرواح فيها.
لا نقول إنهم سمعوا قول عمر؛ لأن سماعهم لقول الرسول معجزة للرسول فيوقف عندها.
كذلك في هذا الحديث: يسمع الميت قرع نعالهم وحسب، وما نزيد على ذلك، لسببين اثنين: أولاً: أنه خلاف الأصل، وهو: أن الموتى لا يسمعون.
ثانياً وأخيراً: أن الأمور الغيبية -وهذا من الغيب في البرزخ- لا يتوسع فيها أبداً، والحق الوقوف عند النص، وعدم الزيادة عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[رائد دويكات]ــــــــ[29 - 06 - 08, 12:41 ص]ـ
أخي يزيد زادك الله علما ونفع بك
ولكن ألا ترى أن في نص حديث البخاري عبارة مطلقة:
"ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون". ومعنى العبارة واضح: انتم لستم اسمع منهم
أي أثبت السمع المطلق فكيف يؤول ذلك!!!
ـ[يزيد المسلم]ــــــــ[29 - 06 - 08, 01:03 ص]ـ
قال سبحانه وتعالى: "وما أنت بمسمعٍ من في القبور" [فاطر:22]، وقال عز وجل: "إنك لا تسمع الموتى" [النمل:80]، وهذا هو الأصل أن الميت لا يسمع في قبره
¥