الأول: التهوين بالمسائل الفرعية: ولقد ضُيّع كثير من السنن، بل الواجبات، بحجة الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى وتفعيل فقه الأولويات، وإنك لترى وتسمع من إذا أنكرت عليه تقصيرا في ترك سنة أو واجب أو ارتكاب لمحظور شارع بإجابتك بأن الأمة يحيط بها أعداؤها من كل مكان ويكيدون لها وأنت تنكر عليّ هذه المسألة؟! وهكذا في سلسلة لا تنتهي من التفلتات من فرائض الشريعة وسننها بحجة التيسير على الأمة في ترتيب اهتماماتها، وهذا المنهج الذي اختطه دعاة التيسير انتهى ببعضهم إلى أبعاد خطيرة، فقد خرج من يوبخ طلبة العلم الذي يبحثون حتى الآن في مسألة: هل الربا وفوائد البنوك حلال أم حرام؟ بينما الأمريكان يتابعون رحلات الفضاء الهائلة التي تجاوزت كوكب نيوتن.
الثاني: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فأصحاب هذا المنهج يدعون إلى ترك الإنكار في أي مسألة خلافية، وقد سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يُنكر على المرأة التي تكشف الوجه أم أن المسألة خلافية، والمسائل الخلافية لا إنكار فيها؟، فأجاب رحمه الله: (لو أننا قلنا المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق، ذهب الدين كله حين تتبع الرخص، لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس).
2 - الإخلال بمقاصد الشريعة:
ويتمثل هذا في عدة أمور، منها:
أ) التوسع في تحديد مقاصد الشريعة: بعدم الاقتصار على ما ذكره فقهاء الأمة واتفقوا عليه فيما يدخل ضمن الضروريات والحاجيات والتحسينات، ومنها ما يقوله الدكتور الجابري من أن مصالح العباد اليوم لم تعد مقصورة على حفظ الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) بل إنها تشمل كذلك: الحق في حرية التعبير، وحرية الانتماء السياسي والحق في انتخاب الحاكمين، والحق في التعليم والعلاج ... إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية للمواطن في المجتمع المعاصر.
ب) حصر مقاصد الشريعة على فهم معين: فمثلا تحريم الربا، يرى الجابري أنه إنما حرم لأن فيه استغلال، فإذا لم يوجد فهو مباح، يقول: (ومعلوم أن منع الاستغلال هو الحكمة من تحريم الربا).
ثانياً / الآثار السلوكية:
1 - التفرّق:
وقد أنتج منهج التيسير المعاصر التفرّق من وجهين:
الأول: أن التساهل والتفريط والتيسير غير المنضبط هو في حد ذاته مفارقة لجماعة المسلمين.
الثاني: أن في البحث عن الرخص وتتبعها والتنقل من عالم لآخر بحثا عن الأسهل، وما يكون من جراء ذلك من نقل كلامهم إما للعامة أو بعضهم لبعض، في ذلك كله من التفرق والتنافر ما لا يخفى.
2 - الوقوع في المحظورات:
ولعل من أبرز المحظورات التي تجرأ عليها بعض المسلمين نتيجة للتيسير غير المنضبط:
أ) التعامل بالربا: فمع أن الربا من المعاملات المحرمة شرعا، التي لا تقبل جدالاً أو نقاشاً، إلا أن بعض المسلمين تجرؤوا على الوقوع فيه شيئا فشيئا. فأصبحنا نرى المصارف الربوية المدعمة بالفتاوى من أصحاب منهج التيسير، تراها تدعو بطريقة يظنها الجاهل إسلامية شرعية، وذلك بإضافة بعض العبارات ذات الصبغة الإسلامية مثل (وفق الضوابط الشرعية) أو (الفوائد الإسلامية) ونحو ذلك من العبارات التي ظاهرها فيه الجواز وباطنها فيه التحريم.
ب) تحرير المرأة: لقد مر تحرير المرأة في العالم الإسلامي بمراحل تدريجية، وتدريجيا في ظل الحرية المزعومة سقط الكثير من محصّنات المرأة المسلمة، وأولها الحجاب، ثم غدا الاختلاط باسم التيسير على المرأة وتطورها ورقيها أمرا مألوفا، بل ادعى بعضهم أن الاختلاط بات ضرورة عصرية، وآخر زعم بأن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة.
3 - النيل من شعائر الإسلام وعلمائه:
نتج عن منهج التيسير لمعاصر الكثير من الآفات تجاه شعائر الإسلام الظاهرة، من ذلك النيل من المتمسكين ببعض الشعائر الإسلامية كتوفير اللحية مثلا، فنجد أن ذلك أصبح مجالاً رحبا – مع الأسف – للنيل من صاحبها ووصفه بما لا يليق. يقول محمد الغزالي الغزالي رحمه الله: (وهناك من حلق رأسه وشواربه بالموسى، وأطلق شعر لحيته على نحو يشعرك بأن كل شعرة أعلنت حربا على جارتها، فهناك امتداد وتنافر يثيران الدهشة، قلت في نفسي: لم يبق إلا أن يحلق حاجبيه بالموسى هي الأخرى لتكتمل الدمامة في وجهه، ولم أر مساءلته لمَ فعل ذلك؟ لأني أعلم إجابته، سيقول: هذه هي السنة).
فانظر إلى هذه الجرأة على متبعي السنة والتجاوز البيّن للمنهج الرشيد في الحوار والردود، والاستهانة والنيل من شعائر الإسلام، وإذا كان هؤلاء لهم الجرأة في نقد الحق، فيجب أن نكون أكثر جرأة في نقد الباطل.
4 – التقليد والتبعية للغرب:
معلوم أن الشارع الحكيم كثيرا ما ينهى عن التقليد الأعمى، وبخاصة تقليد الكفار، ولعل من أخطر الآثار السلوكية لمنهج التيسير المعاصر التي تأثرت بها معظم المجتمعات الإسلامية: التقليد للغرب والتبعية لهم ومجاملتهم، وهو نتاج لأمور عديدة كالتغريب والانبهار الشديد من التقدم المادي المذهل عند الغرب، فبرزت مقولة ابن خلدون الشهيرة: (المغلوب مولع بتقليد الغالب).
لقد زعم بعض المسلمين أننا في حاجة إلى التقليد والتبعية للغرب في كل شيء، نعتاد عاداتهم ونلبس لباسهم ونأكل طعامهم، ومن ذلك ما كتبه مدير مجلة الأزهر يقول: (إن الأمم الإسلامية لفي حاجة إلى تقليد الغربيين في كل شيء حتى ملاهيهم ومراقصهم وإلحادهم إن أرادت أن تبلغ شأوهم في حلبة الحياة).
??????????
¥