تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولمسايرة هذا الواقع تجد من المعاصرين من يركب الصعب والذلول لتطويع النصوص للواقع، على حين يجب أن يُطوّع الواقع للنصوص، لأن النصوص هي الميزان المعصوم الذي يحتكم إليه ويعوّل عليه، والواقع يتغير فلا ثبات له ولا عصمة، ولهذا يجب رد المتغير إلى الثابت، وغير المعصوم إلى المعصوم.

فتجد ضغط الواقع قد أثّر - مع الأسف – على آراء بعض المعاصرين من العلماء، منهم الذين لا يزال الدين أعزّ عليهم من كل شيء، ولكن الواقع يضغط عليهم بقوة، وهذا ما جعل كثيراً من أهل العلم يقرّون أشياء كانوا يُنكرونها منذ سنوات غير بعيدة.

سادساً / المؤثرات البيئية:

إن الإنسان لا يستطيع أن ينفك عن محيطه الذي نشأ فيه أو ينسلخ عن المؤثرات في تكوينه بشكل نهائي وإن حاول ذلك، لابد أن ترتسم فيه بصمات بيئته ووسطه الذي يعيش فيه، والإنسان ابن بيئته. والمؤثرات البيئية تندرج تحت قسمين أساسيين:

الأول: الأسباب الداخلية:-

1 - المؤثرات المكانية:

وقد ذكر ابن خلدون رحمه الله فصلاً في مقدمته جمع فيه جملة من المؤثرات في تكوين الإنسان بصفة عامة، ثم ذكر أن العوامل المكانية له أثر في أمزجة الناس وأخلاقهم وطباعهم، فنشأة العالم أو الفقيه بين بداوة تجعل حركته الفقهية أقل تطورا ممن ينشأ في الحضر والمدن التي تزدحم فيها الأقضية الجديدة.

ولعل من أبرز الأمثلة هنا هما الإمامان الجليلان: أبو حنيفة ومالك رحمهما الله، أما أبو حنيفة فقد نشأ في بلاد العراق وهي بلد كثر عمرانها فكثر فيها المال وتنامت تجارتها، واشتدت دولتها، فكان أبو حنيفة متكلماً في معاملات الناس كلام الخبير، بل أصبح فقيه العراق الأول، فقد فقه الحياة فامتد بصره الثاقب ليشمل المستقبل وما ينطوي عليه من أحداث واحتمالات، فأصّل لفقهه وعلمه واحترز للبلاء قبل وقوعه، ثم إن بيئته التي نشأ فيها كانت بيئة متأثرة بالحضارة الفارسية التي تجمعت بها طوائف من العرب الفاتحين وأخرى من سكان البلاد الأصليين، واختلط فيها ما روي من صحيح الحديث بالمكذوب الموضوع، فاحتاط لنفسه في الأخذ بالأثر، واتسعت دائرة القول بالرأي في المسائل الفقهية. وأما الإمام مالك فقد نشأ في المدينة المنورة حيث ينتشر حفّاظ الحديث ورواته، مما أغنى ثروة الإمام مالك الفقهية المستندة في الغالب إلى الآثار وأقوال الصحابة والتابعين، ولذلك ألّف كتابه الشهير (الموطّأ).

2 - المؤثرات الزمانية:

راعت الشريعة الإسلامية هذه المؤثرات في بناء الأحكام الشرعية وسايرت فترات الإنسان بما يضمن لها البقاء،ويحقق للإنسان مصلحته العاجلة والآجلة. وقد وردت بعض الأحكام في السنة النبوية بنيت على رعاية أحوال الناس وأخلاقهم في زمن النبوة، ثم تبدلت أحوال الناس بعدهم، فتغيرت الفتاوى، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل).

قال القسطلاني رحمه الله: (واستحباب خروجهن مطلقاً إنما كان في ذلك الزمن حيث كان الأمن من فسادهن.

3 - المؤثرات العرفية:

والعرف كما يقول ابن تيمية: (هو ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه). يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومن أفتى الناس بمجرد المنقول على اختلاف عرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم: فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم، بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان). هذا بالنسبة للعرف المعتبر الصحيح، أما العرف الفاسد: وهو ما يخالف أحكام الشريعة وقواعدها الثابتة، مثل: تعارف الناس على كثير من المنكرات، كالتعامل بالربا، وشرب الخمر، وحلق اللحى، ونحوها، فهذا عرف غير معتبر، إلا أن بعض دعاة منهج التيسير المعاصر عدّ هذا العرف سبباً للتيسير.

4 - المؤثرات العلمية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير