وخالد بن معدان ومكحول وإبراهيم النخعي في خلق كثير من التابعين رضي الله عنهم.
ولم يخالف في ذلك إلا الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح بن حي وابن أبي شيبة فكأن المروزي لم يقف على خلافهم أو لم يثبت عنده، وكذلك أبو حنيفة وأصحابه من أهل الرأي، فكأنه لم يعتد بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الحديث، ومن عادتهم رد السنن بآرائهم على خلاف مذهب أهل الأثر، فمن ذلك قولهم هنا: إن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث أنس "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرع الأذان كما دلّ عليه حديث أنس المذكور، وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة.
قال الحازمي: وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم، وحديث أبي محذورة لا يصلح أن يكون ناسخا لهذا؛ لأن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوى من جميع جهات الترجيح على ما تقدم وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من جهة واحدة.
واعترض ابن دقيق العيد في الإمام قول الحازمي: "من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوى من جميع جهات الترجيح" فقال: لا نسلم إن من شرط الناسخ ما ذكر بل يكفي فيه أن يكون صحيحا متأخرا معارضا غير ممكن الجمع بينه وبين معارضه فلو فرضناهما متساويين في الصحة ووجد ما ذكرناه من الشروط لثبت النسخ وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نسلم نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظر.
قلت: وهذا من تكثير الكلام الذي لا طائل من وراءه، ومع ذلك فقد رد هذه الحجة –على فرض صحتها- إمام أهل السنة والجماعة:
قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد؛ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال الإمام: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقرَّ بلالا على أذان عبد الله بن زيد؟
وقد أخذه الحازمي فقال: لو سلمنا أن هذه الزيادة محفوظة، وأن الحديث ثابت، لقلنا بأنه منسوخ، فإن أذان بلال هو آخر الأذانين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين، ورجع إلى المدينة، أقرَّ بلالا على أذانه وإقامته.
ونقل ابن المنذر وابن عبد البر وابن رجب وغيرهم اختلاف أهل العلم في تثنية الإقامة وإفرادها، وحاصل قولهم: أن العلماء اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: إفراد الإقامة، وهو مذهب مالك وأهل الحجاز، والأوزاعي وأهل الشام، والليث وأهل مصر، والشافعي وأصحابه، ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور، وروي عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وعطاء وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والحسن البصري وخالد بن معدان والأوزاعي، ومكحول والزهري وقالا: مضت السنة بذلك. وقال بكير بن الأشج: أدركت أهل المدينة على ذلك.
والثاني: الأذان والإقامة مثنى مثنى، هذا مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي، وروي عن سلمة بن الأكوع وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وابن المبارك،، وذكره حجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن أصحاب علي وابن مسعود.
والثالث: يجوز تثنية الإقامة وإفرادها، والإفراد أفضل، وهو القول الثاني لأحمد وإسحاق وداود الظاهري وجماعة من فقهاء أهل الحديث واختاره ابن تيمية.
وهذا القول إنّما بناه أصحابه على صحّة الأحاديث الواردة في تثنية الإقامة، فأجازوا العمل بالأمرين معًا لذلك؛ ولكن بعد أنْ بيّنّا ضعف هذه الأحاديث لم يعُدْ لهذا القول مستندٌ يعتمد عليه، ويبقى الإجماع الذي نقله محمد بن نصر المروزي، وقول مَنْ خالفه يعتبر شذوذًا خاصة إذا علمنا أنّه لم يعمل به أحدٌ من أهل العلم، وهو ما سنبيّنه في الدراسة التاريخية.
ـ[أبو شعبة محمد بن ناجي]ــــــــ[10 - 10 - 08, 12:53 ص]ـ
الدراسة التاريخية
كان إفراد الإقامة هو المعمول به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ» متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر: وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِقَامَة مَثْنَى مِثْلُ الْأَذَان.
وظل إفراد الإقامة هو المعمول به في عهد الخلفاء الراشدين وعهد الأمويين وأوائل عهد العباسيين:
¥