تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام مالك: أذّن سعد القرظ في هذا المسجد في زمان عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فيه فلم ينكره أحد منهم، فكان سعد وبنوه يؤذنون بأذانه إلى اليوم ولو كان والٍ يسمع مني لرأيت أن يجمع هذه الأمة على أذانهم. فقيل لمالك: فكيف كان أذانهم قال: الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.

وقال الإمام الشافعي: الرواية فيه -أي تثنية الأذان وإفراد الإقامة- تكلّف الأذان خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين على رءوس الأنصار والمهاجرين. ومؤذنو مكة آل أبي محذورة وقد أذَّن أبو محذورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه الأذان ثم ولاه بمكة، وأذَّن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وزمن أبي بكر رضي الله عنه، كلهم يحكون الأذان والإقامة والتثويب وقت الفجر كما قلنا، فإن جاز أن يكون هذا غلطا من جماعتهم والناس بحضرتهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا، جاز له أن يسألنا عن عَرَفَة وعن مِنَى ثم يخالفنا، ولو خالفنا في المواقيت كان أجوز له في خلافنا من هذا الأمر الظاهر المعمول به.

وظل الحال على ما هو عليه من إفراد الإقامة في مساجد المسلمين جميعًا إلى منتصف القرن الرابع الهجري تقريبًا وبالتحديد يوم الثلاثاء الثاني عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة حين استولى جوهر الصقلي على مصر من قِبَل مولاه المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي الفاطميّ ادّعاءً، وأنشأ أوّل دولة شيعيّة رافضيّة في العالم الإسلامي، وهي التي عُرفت في التاريخ باسم الدّولة الفاطميّة نسبة لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهي نسبة زورٍ وبهتانٍ كما هو معلوم لكلّ ذي لبّ

وقد رصد لنا ذلك الإمام البيهقي المولود في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة -أي بعد ستة وعشرين عاما من استيلاء الفاطميين على مصر- حيث قال في السنن الكبرى:

وفي دوام أبي محذورة وأولاده على ترجيع الأذان وإفراد الإقامة ما يوجب ضعف رواية من روى تثنيتهما ويقتضي أن الأمر صار إلى ما بقي عليه هو وأولاده، وسعد القرظ وأولاده في حرم الله تعالى وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وقع التغيير في أيام المصريين والله أعلم.

ويقصِد بالمصريين هنا العبيديين الفاطميين.

وقد صار ذلك شعارًا لهؤلاء الروافض في كلّ بلدٍ يتملّكون عليه:

قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث سنة ستين وثلاثمائة: قال ابن عساكر في ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق: وهو أول من تأمر بها عن الفاطميين، أخبرنا أبو محمد الأكفاني قال: قال أبو بكر أحمد بن محمد بن شرام: وفي يوم الخميس لخمس خلون من صفر من سنة ستين وثلاثمائة أعلن المؤذنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد، وسائر المساجد بـ «حي على خير العمل» بعد «حي على الفلاح»، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح، ولم يقدروا على مخالفته، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بدًّا. وفي يوم الجمعة الثامن من جمادى الآخرة أمر المؤذنون أن يثنّوا الأذان والتكبير في الإقامة مثنى مثنى. وأن يقولوا في الإقامة: «حي على خير العمل» فاستعظم الناس ذلك وصبروا على حكم الله تعالى.

ثمّ صار ذلك شعارًا للشيعة أينما حلّوا؟، يحرصون عليه كحرصهم على: «حي على خير العمل» سواءً بسواء:

قال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ترجمة جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن جبلة الصدفي رحمه الله: قال الفقيه ابن سعدون القروي: لما دخل عبيد الله الشيعي القيروان، وخطب أول جمعة، وجبلة حاضر، فلما سمع كفرهم قام قائمًا. وكشف على رأسه، حتى رآه الناس، وخرج يمشي إلى آخر الجامع، ويقول: قطعوها قطعهم الله. فما حضرها أحد من أهل العلم بعد هذا. ولما ولي الصديني القضاء -أيام أحمد بن الأغلب- كان جبلة يصلي الظهر أربعًا بأذان وإقامة ... وجاء صاحب الحرس، فقال له: يقول لك الأمير، كرّر الإقامة. وسلّم من اثنتين، ولا تقنت. فقال له جبلة: الأمير لا يعلّمنا أمر ديننا. وجاءه آخر من قِبَل القاضي بمثل ذلك. وبقراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» وبزيادة «حيّ على خير العمل» في الأذان. فقال له جبلة: قم قبّحك الله، وقبّح من أرسلك.

واستقرّ ذلك وارتبط بالشيعة في ملكهم بل وفي كتبهم، فلا تجد كتابًا واحدًا مصنّفًا على أي مذهب من مذاهب الشيعة إلا ويذكر حي على خير العمل في الأذان وتثنية الإقامة:

قال زين الدين بن علي العاملي الجبعي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (وهو من كتب الفقه الإمامية الشيعية): والإقامة مثنى في جميع فصولها وهي فصول الأذان إلا ما يخرجه، ويزيد بعد حي على خير العمل: قد قامت الصلاة مرتين. ويهلل في آخرها مرة واحدة. ففصولها سبعة عشر تنقص عن الأذان ثلاثة ويزيد اثنين، فهذه جملة الفصول المنقولة شرعا.

وقال جعفر بن الحسن الهذلي في كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال (وهو من كتب الفقه الإمامية الشيعية): والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا: التكبير أربع، والشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل. كل فصل مرتان. والإقامة فصولها مثنى مثنى، ويزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين، ويسقط من التهليل في آخره مرة واحدة.

وقال أحمد بن يحيى بن المرتضى في كتابه التاج المذهب لأحكام المذهب (وهو من كتب الفقه الزيدية الشيعية): الأذان والإقامة مثنى إلا التهليل في آخرهما فإنه مرة واحدة (ومنهما حي على خير العمل) يعني أن من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حي على خير العمل بعد حي على الفلاح.

فإذا ثبت لنا تاريخيًّا ارتباط نشأة تثنية الإقامة بنشأة دولة الشيعة وجب أخذ الحذر في تناول هذه المسألة لأن الخلاف فيها لم يعدْ مجرّد خلاف فقهي بل أصبحت المسألة تتعلّق بالعقيدة، وهو ما سنبيّنه في الدراسة العقديّة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير