كما جاء في كتاب الله تعالى الخبر عن قرن التسبيح بالتحميد فيمواضع كتعددة، مث قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء/44]، وقوله تعالى {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [السجدة/15]، وقوله تعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الشورى/5] ونحو ذلك من الآيات.
وأما السنة النبوية فورد فيها قرن التسبيح بالتحميد في أحاديث كثيرة تفوق الحص، ومن ذلك:
عَنْ أَبِى ذَرٍّ _ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -‘- «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ([5])».
عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ _ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -‘- «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ......... الحديث ([6])».
... ولما كان هذا حال التسبيح مع التحميد في كتلب الله والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ’: (والتحميد مقرون بالتسبيح وتابع له) وقال أيضاً (فالتسبيح قرن التحميد)، وله ’ رسالة لطيفة بعنوان (قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات وبيان اقتران التهليل بالتكبير والتسبيح بالتحميد). بين فيها أن (التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات: نفي العايب وإثبات المحامد،وذلك يتضمن التعظيم) وقال: (التسبيح يتضمن التنزيه المستلزم للتعظيم والحمد يتضمن إثبات المحامد المتضمن لنفي النقائص).
وقال الحافظ ابن كثير ’:في نفسير قوله تعالى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات 182:180].ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص -قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن.
وهذا الكلام موافق لما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، وبكلامهما يتبين سبب اقتران التسبيح بالتحميد في أكثر المواضع من الكتاب والسنة، ويتبين أن كلا من التسبيح والتحميد يستلزم الآخر إذا أُفرد، وعند الاقتران يعطى كل خاصيته، ويدلان حينئذٍ على إثبات الكمالات ونفي النقائص في حق الله تعالى على الإجمال.
وبهذا يعلم ما في صيغة التسبيح المقرون بالتحميد من دلالة عظيمة في عقيدة التوحيد، وما في الجمع بين التسبيح والتحميد في ذكر الله كما أشار كما أشار بعض المفسرين – عند تفسير قول الله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الروم/17، 18]- إلى أن الله تعالى ذكر الحمد معترضًا بين أوقات التسبيح للاعتناء بشأنه،و الإشعار بأن حقهما أن يجمع بينهما.
وإذا علم هذا، فإن الجمع بين التسبيح والتحميد يكون بالاعتقاد وبالقول.
- أما الجمع بينهما في الاعتقاد،فيتم باعتقاد معناهما مع تطبيق ذلك واقعًا، بإثبات صفات الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقائص والمثيل، .....
- وأما الجمع بينهما في القول، فيحصل إما بصيغة (سبحن الله والحمد لله)،وإما بصيغة (سبحان الله وبحمده)،أو (سبحانك وبحمدك)،ونحو ذلك مما وردت به السنة والآثار.
أقوال أهل العلم في اقتران التسبيح بالتحميد:
ومع هذا، فإن العلماء مختلفون في توجيه ما جاءت به الآيات والأحاديث من صيغة التسبيح المقرون بالتحميد، وفي بيان المراد بها على أقوال عديدة:
ويرجع اختلافهم في ذلك إلى أمور:
أحدها: هل كل لفظ (أي التسبيح والتحميد) يراد معناه الحقيقي؟ أما بحسب السياق في الآية أو الحديث.
الثاني: ما المراد بحروف المعاني؟ فالباء هل للمصاحبة أو الاستعانة أو السببية؟ والواو هل هي للعطف أو للمعية أو للحال؟
وقد نتج عن الاختلاف المتعلق بلفظ التسبيح ولفظ الحمد والباء الجارة بدون الواو عشرة أقوال – حسب ما اطلعت عليه بالبحث (د/كندو) -وهي:
¥