ومثل هذه الدّورة، وإن عكست حقيقة أن عددا من الاقتصادات العربية، لاسيما الخليجية ومصر، باتت مُندمجة عُضويا في آليات النظام المالي الدولي، وبالتالي، باتت مُعرّضة للتأثر نتيجة الهزّات التي تحدث في هذه الآليات بصورة تِلقائية، لكن هذا الأمر لا يمكن أخذه على إطلاقه أو بمعنى آخر، أن طبيعة الأزمة وحدود التأثّر حتما ستَختلِف بين الحالة العربية والحالة الدولية، خاصة الأمريكية والأوروبية، كما أن حجْم تأثّر كلّ حالة عربية يختلِف عن الأخرى.
أزمة هناك غير أزمة هنا
لقد بات معروفا أن الأزمة المالية الأمريكية تعود إلى عدد من السياسات التي طبَّقتها المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى، في إطار مضاربات هائلة على الرّهن العقاري ولعدّة سنوات مضت وبدون رقابة من الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ونتيجة مُمارسات لمُدراء هذه المؤسسات، تجاوزت المعايير المصرَفية المقبولة، ممّا نتج عنها زيادة هائلة في أسعار العقارات، دون أن يكون ذلك مُتناسبا مع قِيمتها الحقيقية، الأمر الذي قاد إلى توقّف الكثيرين عن سَداد تلك القروض، ومن ثمّ انخِفاض أسعار العقارات وتعرّض المؤسسات المالية للإفلاس.
هذه المجموعة من الأسباب تعني أن مشكلة النظام المالي الأمريكي هي مشكلة ملاءة في الأساس، ترتّبت عليها مُشكلة سيولة، ونفس الأمر حدث في المؤسسات الأوروبية التي نهجت المَسار الأمريكي ذاته، ممّا دفع الحكومات والبنوك المركزية لضخِّ أموال كثيرة في محاولة لتوفير سُيولة في الأسواق والحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي واتِّخاذ جُملة خطوات تدعَم رقابة البنوك المركزية على البنوك التجارية ومؤسسات التمويل.
أشكال التأثر
بهذا المعنى، تبدُو أزمة البورصات العربية مُغايرة تماما. فالشركات العربية المسجّلة في هذه البورصات لم تشهَد تغيّرات هيكلية أو سوء أداء أو تراجُع مؤشرات، وهي الأسباب التي تدفع أسعار الأسهم إلى التّراجع في الظروف العادية، وغالب ما حدَث في هذه البورصات كان نتيجة ذُعر وهَلع وخَوف من تأثيرات قد تأتي من الخارج، وهو ما حدث جُزئيا حين أقدم المستثمرون الأجانب على بَيع ما لَديهم من أسهم في شركات عربية، في مُحاولة لتعويض خسائِرهم التي تحمَّلوها في بورصات بُلدانهم الأمّ.
التأثير الجزئي الآخر جاء نتيجة خسائر مُنِيت بها بعض المؤسسات المالية والصناديق السيادية الخليجية التي كانت تستثمر جُزءا من أموالها في مؤسسات مالية أمريكية وأوروبية تعرّضت للإفلاس أو لخسائر كبيرة، وإن لم تُعرف تحديدا نِسبة الخسارة إلى حجم الأصول المستثمرة، وفي بعض التقديرات التي نشرت خليجيا، فقد تعرّضت بعض هذه الاستثمارات إلى خسارة 50% من قيمتها قبل الأزمة. وتشير بعض التقديرات إلى أن الخسارة بلغت 20 مليار دولار أو يزيد قليلا.
وبحسب معهَد التمويل الدولي، فإن دُول مجلس التعاون الخليجي كانت قد استثمرت في أصول أجنبية في أوروبا وأمريكا، في حدود 530 بليون دولار في السنوات الخمس الماضية، منها 300 بليون في الولايات المتحدة وحدها.
أما الاستثمارات العربية في الأصول المالية، فقد بلغت 322 بليونا، منها 308 بليون دولار تعود للمملكة العربية السعودية ودُول الخليج العربية الأخرى، و11 بليون من مصر، و1.2 بليون من المغرب، أما الـ 12 بليون الأخرى، فجاءت من الأردن ولبنان وتونس، وقد اختلف حجْم التأثر تَبعا لنَوع الاستثمار.
فإن كان في أوراق مالية تضمَنها الحكومة الأمريكية وسَنَدات خزانة، فهي لم تصُب بسوء، والعكس صحيح إن كان الاستثمار في أوراق مالية تصدرها مؤسسات مالية خاصة، أفلست أو كادت.
ولكن، نظرا لأن الأزمة لم تنتَه وكل مؤشِّراتها الظاهرة تؤكِّد استمرارها حينا آخر من الزّمن، قد يمتدّ عام أو أكثر، فإن مصير استثمارات البنوك الخليجية ما زال معرّضا للخطر، وقد يُصاب بعضها بالزّوال الكامل، كما حدث مع استثمارات بنك أبو ظبى الوطني قبل الأزمة.
لا أزمة سيولة عربية
¥