قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري) (8/ 564 - 565): (بَابُ قَوْلِهِ:?إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?؛ ذَكَرَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ r) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (عَجِلْتَ). أَيْ: أَسْرَعْتَ فِي التَّفْسِيرِ. وهذا الذي جَزَمَ بهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في تفسيريهما مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: (لمَّا نَزَلَتْ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! مَنْ قَرَابَتُكَ الذينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟) الحَدِيثَ.
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فيه قيس بن الربيع وحسين الأشقر وكلاهما ضعيف، وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ.
(ثُمَّ قال الحافِظُ): وَالمَعْنَى: (إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي). وَالخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً، و (الْقُرْبَى): قَرَابَةُ الْعُصُوبَةِ وَالرَّحِمِ، فَكَأَنَّهُ قال: (احْفَظُونِي لِلْقَرَابَةِ إِنْ لَمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ).
...
[3]-: آيةُ المباهلةِ: ? فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ? [آل عِمْرَانَ: 61]؛ يمكنُ إجمال مناقشتنا لاستدلالكَ بهذه الآيةِ في نقاطٍ:
· تاريخ المُبَاهَلَةِ: سنة (10هـ).
· ?أَبْنَاءَنَا?: هم الحسَنُ والحُسَيْنُ. وقيلَ: عَلِيٌّ؛ لأنه بمنزلةِ الابْنِ بالنسبةِ لِرَسُولِ اللهِ، حيثُ تربَّى في بيتهِ وتزوّجُ ابنتَهُ.
· ?نِسَاءَنَا?: فَاطِمَةُ.
· ?أَنْفُسَنَا?:النَّبِيُّ r؛ لأنّ الرجُلَ يمكن أن يناديَ نفسَهُ ويُخاطبَها، ويدلُّ على ذلكَ أمورٌ: -
- لا أحد يساوي رسولَ الله ِ r ، لا عَلِيٌ ولا غيرُه.
- إذا كان المقصود أنَّ النَّبِيَّ r لا بدَّ أنْ يأتيَ بواحدٍ كنفسهِ؛ فهل هذا الأمرُ كذلك مع مَنْ يُبَاهِلُهُ؟!
- وقولهُ تعالَى: ? لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [التَّوْبِة: 128].
- ولعلّكَ أنْ تسألَني: لِمَ قدَّمَ النَّبِيُّ r عَلِيًّا، و فَاطِمَةَ، و الحسَنَ والحُسَيْنَ؟ فأقولُ مُجيبًا:
1 - لم يكنْ أحدٌ أقربَ نسبًا إليه منهم.
2 - المباهلةُ إنّما تحصلُ بالأقربينَ؛ لأنَّ النفوسَ تحنو على أقاربِها طبعًا، وتجنّبُها المهالكِ.
3 - آيةُ المُبَاهَلَةِ كانت سنةَ عشر مع وفدِ نَجْرَانَ، وكان كلُّ أولادِ النَّبِيِّ r قد تُوفُّوا: رُقَيّة 2هـ، زَيْنَب 8هـ، أُمّ كُلثومٍ9هـ، أمّا إبراهيمُ والقاسمُ وعبدُ الله؛ فماتوا صغارًا قبلَ هذه الحادثةِ بكثيرٍ.
4 - لاَ شَكَّ أنَّ فيه نَوعَ فضيلةٍ لهم.
5 - لم يكنْ مِنْ أقاربِ النَّبِيِّ r موجودًا في ذلك الوقتِ مَنْ له مكانةٌ في الدّينِ مثل عَليٍّ. أما عَمُّهُ العَبَّاسُ؛ فكان موجودًا ولكن لا يُقارنُ بِعَلِيٍّ؛ لأنه ليس منَ السَّابقينَ.
وأما بنو عَمِّهِ؛ فليس فيهم مثلُ عَليٍّ إلاَّ جَعفر، وكان قدِ اُستُشْهِدَ في مُؤْتَةَ.
...
[4]-: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ? [النِّسَاء: 59]
قال القُرطُبِيُّ: (وأولي الأمرِ: أهلُ القُرآنِ والعلمِ. وقيل: الفُقهاءُ والعُلماءُ. وقيل: أصحابُ مُحَمَّدٍ r خاصة. وقيل: أبو بكرٍ وعُمَرُ. وقيل: أهلُ العَقلِ والرَّأْيِ) ثُمَّ قال: (وأصحُّ هذه الأقوالِ: الأولُ والثّاني).
ثُمَّ استدلَّ لهما وردَّ باقي الأقوالِ.
¥