الزوج له أن يستوفي حد الفاحشة من البغي، الظالمة له، المعتدية عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الرجل على امرأته (وأن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) فلهذا كان له أن يقذفها ابتداء، وقذفها إما مباح له، وأما واجب عليه إذا احتاج إليه لنفي النسب، ويضطرها بذلك إلى أحد أمرين: إما أن تعترف، فيقام عليها الحد، فيكون قد استوفى حقه، وتطهرت هي أيضاً من الجزاء لها، والنكال في الآخرة بما حصل، وإما أن تبوء بغضب الله عليها، وعقابه في الآخرة الذي هو أعظم من عقاب الدنيا؛ فإن الزوج مظلوم معها، والمظلوم له استيفاء حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة، قال الله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) بخلاف غير الزوج، فإنه ليس له حق الافتراش، فليس له قذفها، ولا أن يلاعن إذا قذفها؛ لأنه غير محتاج إلى ذلك مثل الزوج، ولا هو مظلوم في فراشها، لكن يحصل بالفاحشة من ظلم غير الزوج ما لا يحتاج إلى اللعان؛ فإن في الفاحشة إلحاق عار بالأهل، والعار يحصل بمقدمات الفاحشة.
فإذا لم تكن الفاحشة معلومة بإقرار، ولا بينة: كان عقوبة ما ظهر منها كافياً في استيفاء الحق، مثل الخلوة، والنظر، ونحو ذلك من الأسباب التي نهى الله عنها، وهذا من محاسن الشريعة.
" قاعدة في المحبة " (ص 202، 203).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في عدم سقوط المهر -:
ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للملاعن لما قال " مالي، قال: لا، مال لك، عندها إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كاذباً عليها فهو أبعد لك "؛ لأنها إذا زنت قد تتوب، لكن زناها يبيح له إعضالها، حتى تفتدي منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
" مجموع الفتاوى " (15/ 320).
وانظر جوابي السؤالين: (83613) و (42532).
رابعاً:
وعليه: فقد علمتَ أنه يجوز لك أن تلاعنها لما عندك من قرائن على وقوعها في الزنا، وعليك تحمل آثار أيمانك، وإن أردت السلامة فطلقها من غير ملاعنة، وإن لاعنتها: فلها مهرها، وليس لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً ولم ينف حملها.
قال ابن القيم – رحمه الله -:
لا نفقة لها عليه، ولا سكنى، كما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لحكمه في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها، وأنه موافِق لكتاب الله، لا مخالف له، بل سقوط النفقة والسكنى للملاعَنة أولى من سقوطها للمبتوتة؛ لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها، وهذه لا سبيل له إلى نكاحها، لا في العدة، ولا بعدها، فلا وجه أصلاً لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة انقطاعاً كليّاً.
فأقضيته صلى الله عليه وسلم يوافق بعضُها بعضاً، وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط، وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن قريب.
" زاد المعاد " (5/ 356).
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما الملاعَنة: فلا سكنى لها، ولا نفقة، إن كانت غير حامل؛ للخبر، وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفي عنه، أو قلنا: إنه ينتفي بزوال الفراش.
وإن قلنا لا ينتفي بنفيه، أو لم ينفه، وقلنا: إنه يلحقه نسبه: فلها السكنى، والنفقة؛ لأن ذلك للحمل، أو لها بسببه، وهو موجود، فأشبهت المطلقة البائن.
فإن نفى الحمل فأنفقت أمه، وسكنت من غير الزوج، وأرضعت، ثم استلحقه الملاعِن: لحقه، ولزمته النفقة، وأجرة المسكن، والرضاع؛ لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له، فإذا ثبت له أب: لزمه ذلك، ورجع به عليه.
" المغني " (9/ 291).
وبه تعلم أن ما تطلبه زوجتك من نفقة وسكنى أنه لا يلزمك منهما شيء إن لاعنتها، إلا أن تكون حاملاً، فتنفق عليها من أجل حملها، وإن طلقتَها طلاقاً باتّاً: فليس لها إلا مهرها، ولا يلزمك نفقتها، ولا سكناها، إلا أن تكون حاملاً، أو يكون معها أولادك، فتنفق عليهم، وعلى ما في بطنها، لا عليها.
قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/ من الآية 6.
خامساً:
¥