تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

شهوة الكلام ومهاوي الفُتون .. عبدالله الهدلق. (رائعة جديدة)

ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[12 - 02 - 10, 07:14 م]ـ

الإنسان هو الإنسان: يحتاج إلى التجاوب الشعوري، يحتاج إلى هذا الفرح المقدّس. تلقاه طفلاً لا تعرفه قد خرج من مدرسته بشهادته فيدفعها في وجهك دفعًا لتقرأها، ثم يصيح بك يوم القيامة وأنت في حالٍ غير حاله: "هاؤم اقرؤا كتابيه" ..

1 - ليس يتجلّد العبد على ربّه .. هذا الشاعر المتمرّد أمل دنقل (ت 1983) وكان ملأ شوارع القاهرة كفرًا وسكرًا وعربدة، حتى قال يثني على الشيطان أبياته الرجيمة:

المجد للشيطان معبود الرياح

من قال لا في وجه من قالوا نعم ..

هذا المسكين الذي طغى لما: "أن رآه استغنى" تقول عنه زوجته عبلة الرويني في كتابها "الجنوبي" يوم أصيب بالسرطان: "كانت الجراحة الأولى تعني لدينا الرعب الشديد، فهذه هي المرة الأولى التي نقف فيها في مواجهة السرطان.

وأنا أسير بجوار (التروللي) الذي يحمل أمل إلى غرفة العمليات سمعته يتمتم بالشهادة: "أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله" ..

ضحكتُ: أمل لقد ضبطتك متلبسًا بالإيمان!

ابتسم في هدوء مردّدًا في همس خافت: "أخشى ألا يؤثر فيّ البنج .. ".

نسي في كربته معبود الرياح الذي قال: لا، وتمتم ذليلاً لربّه: أن نعم، فالمجد لله ..

2 - أنا امرؤٌ – إن لم تكن تعلم- كباقي خلق الله، كلما تقدمت بي السن ضعفتْ فيّ الشهوات كلها إلا شهوة الكلام .. وقد رأيتُني في الأربعين من عمري غيري في العشرين والثلاثين، فقد كنت صموتًا تمر بي الساعات لا تفرط مني الكلمة، فأورثني ذلك عُقدًا أضخم من تلك التي في حبل السفينة ..

واليوم آثرتُ أن أتكلم –تخفّفاً- ثأرًا من تلك الأيام، بل إني سأتحدث عن نفسي كثيرًا، لأني لا آمن جانب أحد إن تحدثت عنه إلا نفسي هذه التي بين جنبيّ.

عهدتُني شديدَ الخجل جدًا (بين يديَّ كتاب "الخجل" لراي كروزير أكبر متخصص في هذا الموضوع في عصرنا الحاضر، فماذا عساه يجدي هذا الكتاب ومؤلّفه في هذه الطبقات النفسية المتكلسة).

يحملني الخجل كثيرًا على مداراة الناس، والتكلف لما لا أطيق .. ليس أثقل على نفسي من الأطفال، ودع عنك "إميل" جان جاك روسّو، وحديث الكبار الساذج عن براءة الأطفال، كأننا ما كنا أطفالاً، ولا رأينا منهم من هو أشد تلوّثًا من كثير من الراشدين، لذا فإني قلّ أن استملحت طفلاً، فأنا أعاملهم -بمشاعري- معاملة الكبار، فلا أكاد أحب طفلاً لأنه طفل، لكني لا أظلمه أو أسيء معاملته.

وكان دعاني أحد الإخوة –خارج المملكة- إلى بيته، فلما حضرت جلس معنا صبيٌّ له من أكْره من رأيت، قد امتلأ وجهه بالقذارة ووالده الحاني يضمه إليه في رقّة بالغة!

فلما حضر العشاء قلت في خاطري: الآن نرتاح منه، فأجلسه يأكل معنا فَغَثَتْ نفسي وكدت أموت تقزّزًا، ثم إن هذا الكريه رفع رجله وغمسها في صحن القشطة، فابتسم أبوه المغفّل تظرّفًا لصنيعه، فأطرقت خجلاً، وكرهت بعدها هذا الصنف من الطعام وكان من أشهاه إلى نفسي.

وهكذا كم كلفّني الخجل أمثال هذه المدارات ورهق النفس، ومن كان هذا شأنه آذاه الناس من حيث يشعرون ولا يشعرون.

3 - في كتاب "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" للمقريزي 3/ 77، هذا النص الذي وقفت عنده طويلاً، قال المقريزي: "أخبرنا شيخنا المقرئ النحوي شمس الدين محمد بن محمد الغماري رحمه الله قال: أخبرنا شيخنا العلامة أثير الدين أبو حيان النّفزي رحمه الله قال: ألزمني الأمير ناصر الدين محمد بن جَنْكل ابن البابا بالمسير معه بالزيارة للشيخ المُعتقد أحمد البدوي بناحية طنتدى (طنطا)، فوافيناه يوم الجمعة فإذا به رجل طوال، عليه ثوب خوج عالٍ، وعمامة صوف رفيع، والناس تأتيه أفواجًا، فمنهم من يقول: يا سيدي خاطرك مع غنمي، ومنهم من يقول: خاطرك مع بقري، ومنهم من يقول: زرعي، إلى أن حان وقت صلاة الجمعة، فنزلنا معه إلى الجامع بطنتدى، وجلسنا في انتظار الصلاة، فلما فرغ الخطيب من خطبة الجمعة، وأقيمت الصلاة، وقمنا لأداء الصلاة؛ وضع الشيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه بعدما قام قائمًا، وكشف عن عورته بحضرة الناس، وبال على ثيابه وعلى حصر المسجد، واستمرّ ورأسه في طوق ثوبه وهو جالس حتى انقضت الصلاة ولم يُصلّ"!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير