[الإسلام والاعتراف بهوية الآخر]
ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[22 - 02 - 10, 03:44 م]ـ
في زمن الشعارات الزَّائفة توجَّه إلى الإسلام تُهْمة مزيَّفة، وهي: أنَّ الإسلام لا يقبل التَّعدُّد ولا يعترف بالآخر، فالقُرآن مليءٌ بوصْف المخالفين بأنَّهم كفَّار ومشركون، ويقول المسلمون: إنَّ من سواهم من أهْل الأرض كافر ومصيره إلى النَّار، ويتمسَّكون بآيةٍ من القرآن الكريم وهي: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ونحن الآن في القرْن الحادي والعشرين، وقد اندثرت النظريَّات الأُحادية وبدأ عصر التعدُّديَّة، فلماذا لا يَحترِم المسلِمون وجهة نظر غيرِهم من النَّاس؟ ولماذا لا يسمُّون مَن عداهم بـ (الآخر) بدلاً من (الكافر)؛ ليواكب الإسلام العصرَ وتطوُّراته، كما يزعُم أصحابُه أنَّه صالح لكلّ زمان ومكان.
وقبل أن نردَّ على هذه الشُّبهة، فبإمكانِنا أن نعيد الكرة إلى ملعبِ (الآخر)، ونطلُب منه أن يُجيب على نفس السؤال:
تُرى كيف ينظر النَّصارى إلى المسلمين واليهود؟ وكيف ينظر اليهود إلى المسلمين والنَّصارى؟ هل يطلق كلُّ فريق على غيره سوى اسم "الكافر"؟ وهل في عقيدة أيٍّ من هؤلاء أنَّ سواهم يُمكن أن يكون من أهل الجنَّة وإن لم يدخُل في عقيدتهم؟!
وأمَّا بالنِّسبة للمذاهب العلمانيَّة، فالأمر لا يتغيَّر كثيرًا، فـ (أمريكا) - كممثِّل للمذهب العلماني الَّذي ينادي بالحرّيَّة والليبراليَّة والتَّعدُّديَّة - لا تعترِف عمليًّا بما سواه من المذاهب، فمع الأهداف الإمبرياليَّة لأمريكا في العالَم بأسره، تأتي الأهداف الثَّقافيَّة والفكريَّة لها أيضًا، انظر كيف تُريد أمريكا فرْضَ ثقافتِها وأيديولوجيَّتها الفكريَّة، وتسعى لإلْزام العالم بالصُّورة الَّتي رسمتْها للحرِّيَّة، فهي لا تترك مكانًا يُمكنها فيه نشْر ثقافتِها وأفكارها إلاَّ فعلت؛ إن سلمًا فسلم، وإن حربًا فحرب، معلنة أو غير معلنة، وتُنفق في سبيل ذلك الملايين والمليارات.
فأيْن اعتِرافك بهويَّة (الآخر) مع عملِك الدَّائب ليلَ نهارَ على غزْوه، وإلزامه بتبنِّي أفكارك ونظريَّاتك ونظُمك وسلوكياتك؟!
من حقِّنا أن نسأل:
لماذا لا تترُك أمريكا ومَن هم على شاكلتِها الثَّقافيَّة والسياسيَّة مُخالفيهم من الدكتاتوريّين يُمارسون حريَّتهم في ممارسة الدكتاتوريَّة والنّظام القمْعي، الَّذي يرونه الأمثل في المحافظة على النظام العام والأمن القومي في بلادهم؟!
لماذا يلْزِمونهم بالنَّظرة الليبراليَّة في معاملة المواطنين، أو مُمارسة شؤون الحكم وغير ذلك، فإن لَم ينصاعوا فرضوا عليهم العقوبات الاقتصاديَّة وغيرها؟!
ألا يُمثل هذا معاقبة (الآخر) على هويَّته، فضْلاً عن احترام هويته والاعتِراف بها؟!
بقِي أن نعرِّج على موقف تلاميذ الليبراليَّة الغربيَّة، الَّذين يصدعون رؤوسَنا بترْديد كلام أسْيادهم عن الحرّيَّة والتَّعدُّدية و (الآخر).
ما موقف هؤلاء من (الآخر) الَّذي هو مخالفوهم من التيَّار الإسلامي المحافظ؟
لو ألْقيتَ نظرةً على أعمِدة صحفهم أو صفحات منتدياتِهم الإلكترونيَّة، لوجدتَهم لا يألون جهدًا في وصْف الآخَرين المختلفين معهُم بأنَّهم: ظلاميون رجعيون ضبابيون متخلفون وهابيون إرهابيون تكفيريون ... إلى غير ذلك من النعوت والألفاظ الإقصائيَّة، ولست تَجد منها لفظًا واحدًا فيه: "الآخرون"، "مُخالفونا في الرأي"، "مَن لا يروْن وجهة نظرنا"، "التيَّار الفكري المحافظ" أو نحو هذه العبارات.
فتصْنيفُهم للتيَّار الإسلامي على الخصوص تصْنيف إقصائي ووحْدوي، وليس فيه راحة الموضوعيَّة أو الليبراليَّة والتعدُّديَّة الَّتي يدنْدِنون بها ليلَ نهارَ، ثمَّ هم دائمًا يُعْلِنون الوصاية على التحضُّر والتَّنوير والتمدُّن، فلا يكون متمدِّنًا ولا متحضِّرًا ولا نبيلاً ولا راقيَ الفِكْر إلاَّ مَن جاراهم في كلِّ ما يدعون إليْه، وإن كانت أمورًا شكليَّة لا علاقة لها بلبّ التَّفكير المتحرِّر أو الممارسة المتمدِّنة.
¥