[حكم تغطية المرأة لوجهها عند الرجال الأجانب، للشيخ عبدالله السعد]
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[19 - 02 - 10, 07:16 م]ـ
السؤال: ما حكم تغطية المرأة لوجهها عند الرجال الأجانب؟
الجواب: لقد نهى الله تبارك وتعالى المرأة أن تبدي زينتها للرجال الأجانب، إلا ما ظهر منها، وأمرها بالاحتجاب عنهم.
ولا تكون المرأة محتجبة عن الرجال الأجانب إلا بأن تستر جميع جسمها، ومن ذلك الوجه، والأدلة على وجوب ذلك كثيرة منها:
الدليل الأول:
قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) ([1])، وهذه الآية الكريمة وإن كانت في أزواج النبي r، وسبب نزولها في ذلك؛ كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، إلا أنها عامة في جميع النساء، ويؤيد ذلك:
1 - ما جاء في الآية من تعليل الحكم: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، فيحمل على العموم؛ لأنه حكمٌ مرتبٌ على وصفٍ مناسبٍ له، فيقتضي كون هذا الحكم مُعللاً بذلك الوصف، فوجب أن يَعُم؛ لعموم العلة، كما هو مقرر في الأصول.
قال القاضي أبو يعلى: (إذا ورد النص بحكمٍ شرعي معللاً، وجب الحكم في غير المنصوص عليه، إذا وجدت فيه العلة المذكورة) ([2]).
وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
وصورتها: أنه عندما ينص الله عز وجل على العلة في واقعة ما، وتحققت هذه العلة بعينها في واقعة أخرى، فهل إلحاق هذه الواقعة الجديدة بالأولى المنصوص عليها، يكون من قبيل النص؛ فيكون الحكم عاماً لغير محل التنصيص؟ أم تكون ملحقة بها على سبيل القياس؟ قولان.
والأقرب في هذا التفصيل؛ ذلك أن هذه المسألة على ثلاث صور:
الصورة الأولى:
أن تكون العلة في الواقعة الجديدة أكبر وأظهر منها في الواقعة الأولى، فلا شك أن حكمها مثل الأولى، فيكون منصوصاً عليها، وليست ملحقة بها على سبيل القياس.
والخلاف في هذه الصورة ضعيف، وإنما يخالف في هذا أبو محمد ابن حزم وأمثاله.
ومثال ذلك: أن الله عز وجل نهى أن يقول الإنسان لوالديه كلمة (أف) كما في قوله تعالى: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا)، فمن ضربهما والعياذ بالله فيكون داخلاً في نص النهي من باب أولى.
ومثاله أيضاً: أن الرسول r نهى عن البول في الماء الراكد، فمن تغوط فيه فإنه يكون داخلاً في نص النهي من باب أولى.
ومثاله أيضاً: هذه المسألة التي معنا، فإنه إذا كان في الحجاب طهارة لقلوب الصحابة y، وهم من هم في الفضل وعلو المكانة، ولقلوب زوجات الرسول r، وهنّ من هنّ في الطهارة والعفة، فكيف بمن جاء بعدهم وبعدهن، ممن هو دونهم ودونهن بكثير؟!.
فمن باب أولى أن يعمّهم الحكم.
الصورة الثانية:
أن تكون العلة في الواقعة الجديدة مثلها في الواقعة الأولى، فهذه فيها الخلاف السابق.
وهو خلافٌ صوري، إذ نتيجة الحكم واحدة (وهو أن حكم الواقعة الجديدة كالأولى)، إلا أن بعضهم يراه من قبيل العموم، وبعضهم يراه من قبيل القياس. والله أعلم.
الصورة الثالثة:
أن تكون العلة في الواقعة الجديدة أقل منها في الواقعة الأولى، فهذه لا تلحق بها في الحكم.
2 - أن الله تعالى لم يفرّق بين نساء النبي r وغيرهن، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ([3]).
قال ابن جرير في تفسيره (22/ 39): (وإذا سألتم أزواجَ رسول الله، ونساءَ المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج؛ متاعاً (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، يقول: من وراء سترٍ بينكم وبينهن).
وقال القرطبي في تفسيره (14/ 227): (ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة؛ من أن المرأة كلها عورة).
وإدناء الجلباب في لغة العرب مستخدم عادة في الوجه، يُقال إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة: أدنِ ثوبكِ على وجهكِ. اهـ من الكشاف (3/ 569).
¥