قال ابن بطال رحمه الله: " باب من ترك العصر، وفيه: بُرَيْدَةَ: أنه قَالَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ: (بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ نَّبِيَّ الله قَالَ: مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). قال المهلب: معناه من تركها مضيعًا لها، متهاونًا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها، فحبط عمله فى الصلاة خاصة، أى لا يحصل على أجر المصلى فى وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة " انتهى من "شرح صحيح البخاري لابن بطال" (2/ 176).
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله أقوالاً كثيرة في تأويل معنى الحديث - عند شرحه للحديث -، فقال رحمه الله: " وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَكْفُرُ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ , فَافْتَرَقُوا فِي تَأْوِيلِهِ فِرَقًا.
فَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ سَبَبَ التَّرْكِ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْحَبَطَ , وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْعَمَلَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا , وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا، لَكِنْ خَرَجَ الْوَعِيدُ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ، كَقَوْلِهِ "لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ "، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَبَطِ نُقْصَانُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللَّهِ , فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ الصَّلَاةُ خَاصَّةً , أَيْ لَا يَحْصُلُ عَلَى أَجْرِ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَا يَرْتَفِعُ لَهُ عَمَلُهَا حِينَئِذٍ , وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ فِي الْحَدِيثِ عَمَلُ الدُّنْيَا الَّذِي يُسَبِّبُ الِاشْتِغَالَ بِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ , بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَتَمَتَّعُ , وَأَقْرَبُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "شرح البخاري" (2/ 31).
والذي يترجح والله أعلم أن تارك صلاة العصر، لا يخلو:
1. إما أن يترك الصلاة بالكلية، بحيث لا يصلي مطلقاً، فهذا كافر، وعمله حابط؛ لكفره.
2. إما أن يترك الصلاة أحياناً، بحيث يصلي أحياناً، ويترك أحياناً أخرى، فهذا لا يكفر، وإن كان يحبط عمل اليوم الذي ترك فيه صلاة العصر.
قال ابن القيم رحمه الله: " وقد تكلم قوم في معنى هذا الحديث (أي: من ترك صلاة العصر ... الحديث)، فأتوا بما لا حاصل له.
قال المهلب معناه: من تركها مضيعا لها متهاونا بفضل وقتها، مع قدرته على أدائها حبط عمله في الصلاة خاصة، أي: لا يحصل له أجر المصلي في وقتها , ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة، وحاصل هذا القول: إن من تركها فاته أجرها، ولفظ الحديث ومعناه يأبى ذلك، ولا يفيد [يعني: على هذا التأويل] حبوط عمل قد ثبت وفعل , وهذا حقيقة الحبوط في اللغة والشرع، فلا يقال لمن فاته ثواب عمل من الأعمال إنه قد حبط عمله، وإنما يقال فاته أجر ذلك العمل.
وقالت طائفة: يحبط عمل ذلك اليوم لا جميع عمله، فكأنهم استصعبوا حبوط الأعمال الماضية كلها بترك صلاة واحدة، وتركها عندهم ليس بردة تحبط الأعمال، فهذا الذي استشكله هؤلاء هو وارد عليهم بعينه في حبوط عمل ذلك اليوم.
والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله: أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين في يوم معين، فهذا يحبط عمل ذلك اليوم؛ فالحبوط العام في مقابلة الترك العام , والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين " انتهى من " الصلاة وأحكام تاركها" (ص/65).
وقد سبق في الموقع بيان ضابط التارك للصلاة، كما في جواب السؤال رقم: (83165)، ورقم: (114426).
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[28 - 02 - 10, 01:17 ص]ـ
جزاك الله خير اخي اسلام علي الفتوي
لكن ليس بالضرورة ان يكون الشيخ المنجد هو من جاوب فهناك غيره ممن يجاوب
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[28 - 02 - 10, 01:56 ص]ـ
وجزاكم مثله أخي أحمد
نعم ليس بالضرورة لكن هي سهو مني
حسبت أن الشيخ وقّع في آخر الفتوى لكن لم يكن كذلك
ـ[ابو الياس]ــــــــ[01 - 03 - 10, 06:07 ص]ـ
جزاكَ اللهُ خيرًا أخِي الفاضِلُ علَى النَّقلِ الطَّيبِ ...
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[01 - 03 - 10, 07:19 ص]ـ
رفع الله قدرك
ـ[صهيب الجواري]ــــــــ[01 - 03 - 10, 05:22 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[01 - 03 - 10, 07:37 م]ـ
وفيكم بارك الله
ـ[أم ديالى]ــــــــ[01 - 03 - 10, 08:45 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو عامر الصقر]ــــــــ[01 - 03 - 10, 09:09 م]ـ
رفع الله قدركم