ـ[أبو معاذ الأندلسي السلفي]ــــــــ[29 - 04 - 09, 08:38 م]ـ
القول الثاني:
يجب الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر مطلقاً، ومعنى ذلك أن الشهادة إذا خالفت الحساب الفلكي رُدت، وهذا لم يقل به أحد من المتقدمين إطلاقاً، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا القول ما قاله مسلم، وإنما نطق به كثير من الفلكيين، وتبعهم عدد قليل من الفقهاء المعاصرين.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا رَأيتُموهُ فصوموا، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»
وجه الدلالة: أن الحديث يشير صراحة إلى التقدير والحساب وإعمال الذهن والعقل «فاقْدُرُوا له»، وهي الحالة العامة، فهو يحض صراحة على الأخذ بالحساب والعلم متى توافرت أسبابهما من أدوات رياضية وأجهزة علمية وحاسبين يؤمن بينهم الخطأ ....
الدليل الثاني: قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} سورة الرحمن، فالله أوجد هذه الأجرام السماوية بعلم وحساب وحكمة، فهي لا تسير عشوائياً، بل إن الله طلب منا صراحة أن نتعلم كيف تسير هذه الأجرام فقال تعالى: {وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} سورة الإسراء، وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} سورة يونس ....
الدليل الثالث: عن ابنَ عمرَ – رضيَ اللّهُ عنهما – عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنهُ قال: «إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا. يَعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ ومرَّةً ثلاثين»
وجه الاستدلال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بالاعتماد على الرؤية وذلك لعلة عدم معرفة الحساب، فإذا انتفت هذه العلة، واستطاعت الأمة معرفة الحساب وأمكن أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية ....
الدليل الرابع: أن الرؤية البصرية والحساب الفلكي وسيلتان لشيء واحد وسيلتان لدخول الشهر القمري، وكل منهما يقوم مقام الآخر، فمتى وُجد أحدهما ثبت دخول الشهر، ولسنا متعبدين برؤية الهلال، بل إنما جُعل الهلال وسيلة لدخول الشهر ....
الدليل الخامس: قياس إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب على إثبات أوقات الصلوات بالحساب، فإن الصلاة أصبحت الآن في جميع بقاع الأرض تعتمد على الحساب فقط، ولم نرَ من بين علماء المسلمين من يتمسك منهم برؤية الشمس الرؤية البصرية ليرى علامات دخول أوقات الصلاة ويرفض الاعتماد على الحساب، فإذا كانت علامات الصلاة قد تحولت الآن إلى أزمنة محسوبة وأقرها جميع علماء المسلمين دون أدنى اعتراض من أي عالم منهم، فما الذي يمنع من تطبيق ذلك في تعيين أوائل الشهور العربية ...
الدليل السادس: القياس على المحبوس في المطمورة؛ وذلك لوجود الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدة، أو بالاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإن لم يرَ الهلال، ولا أخبره من راءه، فكذلك إذا علمنا بالحساب أن اليوم من رمضان وجب علينا الصوم وإن لم نره ولا أخبرنا من راءه ....
يتبع القول الثالث
ـ[أبو معاذ الأندلسي السلفي]ــــــــ[29 - 04 - 09, 08:42 م]ـ
القول الثالث:
جواز الأخذ بالحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر القمري، على اختلاف بين من قال بهذا القول، فمنهم من قال بالجواز مطلقا، ومنهم من قيده بحال دون حال، كمن قيده في حال النفي دون الإثبات، وكمن قيده بحال الغيم دون الصحو، ومنهم من قيده بأن يعمل الحساب فيه لنفسه فقط.
ومن قال بهذا القول من المتقدمين: ابن سريج، (، ومطرف بن عبد الله الشخير، وابن قتيبة،.
ومن المتأخرين ابن السبكي،.
وقد حكى ابن سريج هذا القول عن الشافعي، حيث نقل ابن سريج أن الشافعي قال: من كان
مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم، ويبيته ويجزئه.
وقد أنكر علماء الشافعية نسبة هذا القول إلى إمامهم الشافعي، فقال ابن عبد البر – بعد أن ساق النقل السابق عن ابن سريج –: " الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم –: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» ".
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر أن ابن سريج نقل هذا القول الشافعي: " والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور".
وبهذا يُعلم أن ابن سريج – رحمه الله – قد وهم في نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي.
وقد قال بالقول الثالث بعض الفقهاء المعاصرين، ومنهم: الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله –، والشيخ عبد الله المنيع.
أدلة القول الثالث:
لم تخرج أدلة القول الثالث عن أدلة القول الثاني، بل استدل أصحاب القول الثالث ببعض أدلة القول الثاني، لكن يبدو أنهم لم يجسروا على القول بالوجوب كما جسر به أصحاب القول الثاني.
¥