تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلم أنه أجمع جميع المسلمين على أنه لا طاعة لإمام ولا غيره في معصية اللَّه تعالى?. وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا لبس فيها ولا مطعن، كحديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أخرجه الشيخان وأبو داود.

وعن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في السرية الذين أمرهم أميرهم أن يدخلوا في النار: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدًا؛ إنما الطاعة في المعروف». وفي الكتاب العزيز: {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ}.

المسألة الثانية: هل يجوز نصب خليفتين كلاهما مستقل دون الآخر؟. في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: قول الكرامية بجواز ذلك مطلقًا محتجين بأن عليًّا ومعاوية كانا إمامين واجبي الطاعة كلاهما على من معه، وبأن ذلك يؤدي إلى كون كل واحد منهما أقوم بما لديه وأضبط لما يليه.

وبأنه لما جاز بعث نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الإمامة أولى. القول الثاني: قول جماهير العلماء من المسلمين: أنه لا يجوز تعدد الإمام الأعظم، بل يجب كونه واحدًا، وأن لا يتولى على قطر من الأقطار إلا أمراؤه المولون من قبله، محتجين بما أخرجه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».

ولمسلم أيضًا: من حديث عرفجة رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».

وفي رواية: «فاضربوه بالسيف كائنًا من كان».

ولمسلم أيضًا من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما: «ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»، ثم قال: سمعته أذناي من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي.

وأبطلوا احتجاج الكرامية بأن مع?وية أيام نزاعه مع عليّ لم يدع الإمامة لنفسه، وإنما ادعى ولاية الشام بتولية من قبله من الأئمة، ويدل لذلك:

إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما فقط لا كل منهما.

وأن الاستدلال بكون كل منهما أقوم بما لديه وأضبط لما يليه، وبجواز بعث نبيين في وقت واحد، يرده قوله صلى الله عليه وسلم: «فاقتلوا الآخر منهما»؛ ولأن نصب خليفتين يؤدي إلى الشقاق وحدوث الفتن.

القول الثالث: التفصيل فيمنع نصب إمامين في البلد الواحد والبلاد المتقاربة، ويجوز في الأقطار المتنائية كالأندلس وخراسان. قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان، جاز ذلك على ما يأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى?. انتهى منه بلفظه.

والمشار إليه في كلامه: نصب خليفتين، وممن قال بجواز ذلك:

الأستاذ أبو إسح?ق كما نقله عنه إمام الحرمين. ونقله عنه ابن كثير والقرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة.

وقال ابن كثير: قلت: وهذا يشبه حال الخلفاء: بني العباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب.

المسألة الثالثة: هل للإمام أن يعزل نفسه؟.

قال بعض العلماء: له ذلك. قال القرطبي: والدليل على أن له عزل نفسه قول أبي بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه: أقيلوني أقيلوني، وقول الصحابة رضي اللَّه عنهم: لا نقيلك ولا نستقيلك. قدمك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لديننا فمن ذا يؤخرك؟ رضيك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك؟.

قال: فلو لم يكن له ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه. ولقالت له ليس لك أن تقول هذا.

وقال بعض العلماء: ليس له عزل نفسه؛ لأنه تقلد حقوق المسلمين فليس له التخلي عنها.

قال مقيده عفا اللَّه عنه إن كان عزله لنفسه لموجب يقتضي ذلك كإخماد فتنة كانت ستشتعل لو لم يعزل نفسه، أو لعلمه من نفسه العجز عن القيام بأعباء الخلافة، فلا نزاع في جواز عزل نفسه. ولذا أجمع جميع المسلمين على الثناء على سبط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الحسن بن عليّ رضي اللَّه عنهما، بعزل نفسه وتسليمه الأمر إلى مع?وية، بعد أن بايعه أهل العراق؛ حقنًا لدماء المسلمين وأثنى عليه بذلك قبل وقوعه، جده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين». أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي بكر رضي اللَّه عنه.

المسألة الرابعة: هل يجب الإشهاد على عقد الإمامة؟.

قال بعض العلماء: لا يجب؛ لأن إيجاب الإشهاد يحتاج إلى دليل من النقل. وهذا لا دليل عليه منه.

وقال بعض العلماء: يجب الإشهاد عليه؛ لئلا يدعي مدع أن الإمامة عقدت له سرًّا، فيؤدي ذلك إلى الشقاق والفتنة.

والذين قالوا بوجوب الإشهاد على عقد الإمامة، قالوا: يكفي شاهدان خلافًا للجبائي في اشتراطه أربعة شهود وعاقدًا ومعقودًا له، مستنبطًا ذلك من ترك عمر الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد، وهو عبد الرحم?ن بن عوف ومعقود له، وهو عثم?ن وبقي الأربعة الآخرون شهودًا، ولا يخفى ضعف هذا الاستنباط كما نبه عليه القرطبي وابن كثير والعلم عند اللَّه تعالى?

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير