تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فسلم الإمام ابن القيم رحمه الله ـ الذي يرى جواز أكله ـ بأنه ذو ناب، ولكنه لا يراه سبعاً عادياً؛ حيث قال: ( .. فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين: أن يكون له ناب، وأن يكون من السباع العادية بطبعها؛ كالأسد والذئب والنمر والفهد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين، وهو كونها ذات ناب، وليست من السباع العادية) أهـ.

وإذا كان وصف "الناب" ووصف "السبُعية" تعبدان لا يُعقل لهما معنى؛ فالضبع سبع ذو ناب.

أما صفة السبعية والعدوانية فهي ظاهرة فيه؛ حيث يعدو على الحيوانات مأكولة اللحم؛ كالغزال والإيل والبقر الوحشية؛ بل إنه يعدو على الإنسان ويأكله، ويعدو على السباع الصغيرة أو الوحيدة فيفترسها، وهذا ظاهر لمن تأمل سلوكه؛ فعليه فهو مشمول بالنهي في حديث أبي ثعلبة المذكور.

وإن كان الوصفان معقولين مقصودهما أن ما فيه هاتان الصفتان فإن أغلب اغتذائه على اللحوم فيحرم فالضبع كذلك، مع ما ينحط به عن بقية السباع بما يصفه علماء الأحياء بكونه من "المفترسات القمَّامة" أو "منظفات البيئة" التي تأكل الجيف والمنتنات.

وأما حديث جابر فلا يصح الاستدلال به لتخصيص الضبع من عموم النهي؛ لما أورد عليه من الاحتمالات القوية في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتمال إذا ورد بطل به الاستدلال؛ كما تقرر ذلك في الأصول.

وتأيد هذا أنه جاء الحديث من وجوه أخرى بكونه صيداً عن جابر نفسه، وكذلك عن ابن عباس وأبي هريرة، ولم يذكر فيها حل أكله، وذكْرُ حل الأكل أولى بالتنويه من ذكر كونه صيداً؛ مما يؤكد أن الذي رواه جابر هو كونه صيداً يُفدى؛ لا أنه حلال يؤكل.

وروى أحمد في "مسنده" (14137) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عمارٍ أنه قال: قلتُ لجابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه: آكُلُ الضَّبُعَ؟ قال: نعم، قلت: أصيدٌ هِي؟ قال: نعم، قلت: أسمعت ذلكَ من رسولِ الله، قالَ: نَعَمْ.

ففي هذه الرواية ما يختلف عن الرواية المذكورة في أدلة المبيحين، وذلك في في ترتيب ذكر مسألتي الصيد والأكل؛ فجابرٌ رضي الله عنه في هذه الرواية أبدى رأيه أولاً في حل لحمه، ثم قال له السائل: أصيد هي؟ فقال: نعم، وذكر أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق للروايات التي روى فيها جابر كونها صيداً، ولم يرو حل أكلها.

وغاية ما دل عليه حديث جابر ما فيه أنها صيد يفدي في الإحرام، ولا دلالة فيه على حل أكلها لهذا المعنى، ففي مذهبي الحنفية والحنابلة أن كون الشيء صيداً يفدى ليس من شرطه حل أكله؛ حيث يُقصد الضبع والثعلب وغيرهما بالصيد للانتفاع بجلودها.

وقد سئل الإمام أحمد عن محرم قتل ثعلباً؟ فقال: عليه الجزاء هي صيد، والإمام أحمد يرى حرمة أكل الثعلب، وانظر "الإنصاف" (10/ 360).

فتلخص من هذا أن المحكم هنا هو حديث أبي ثعلبة في النهي عن كل ذي ناب من السباع، وأما حديث جابر فإن لم يُقل: لا دلالة فيه فهو مشتبه محتمل يُرد إلى المحكمات.

ولعل سبب من قال بحله من المتقدمين أن العرب كانت قبل الإسلام تأكل الضبع، واستمر الأمر على ذلك، إما بإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم، أو توقف لانتظار وحي، ثم حُرِّم كل ذي ناب من السباع عام خيبر في السنة السادسة؛ فقد روى أحمد في "المسند" (8724) بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حُرِّم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الأنسي، وهو حديث ثابت، صححه الترمذي وعبدالحق الإشبيلي وغيرهما، ولم يطلع المبيحون على النهي، أو فهموا من حديث جابر تخصيصه بالحل.

كما ثبت عند أبي داود في "سننه" (3811) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحمها.

فهل يُظن أن تُحرم الحمر الأهلية التي غالب ما تأكله مباح، مع أن نظيرها الوحشي مباح، أو يُحرَّم أكلُ الجلالة لحمها وشرب لبنها وركوبها؛ لأنها تأكل القذر، ثم لا يحرم سبع ذو ناب؛ يأكل الجيف، وينهش فريسته حية ويغتذي بدمها دون أن يُعتبر فيه ما يُعتبر في الجلالة من نقاء لحمها مدة كافية؟ إلا أن يكون هذا دليلاً على أنها مشمولة بالنهي.

وقد روى أحمد في "مسنده" (21327) بسنده عن عبد الله بن يزيد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الضبع فكرهها. فقلت له: إن قومك يأكلونه. قال: لا يعلمون.

وفيه (27101) عن سعيد قوله: إن أكلها لا يحل.

وقال ابن العربي المالكي كما في "فيض القدير" (4/ 258): ( .. وعجباً لمن يحرم الثعلب وهي تفترس الدجاج، ويبيح الضبع وهو يفترس الآدمي، ويأكله) أهـ.

فالأظهر مما ذُكر أن الضبع محرم الأكل.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_question_main.cfm?id=28208

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير