تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأما ضابط الكبيرة: فأصح الأقوال أن الكبيرة: هي ما فيها حد في الدنيا، أو وعيد خاص في الآخرة، كالوعيد بالنار، والغضب، واللعنة، وأن الصغيرة ما ليس له حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.

وهذا المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام [مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 650، وشرح الطحاوية 2/ 526، وأضواء البيان للشنقيطي 7/ 199].

جملة من النصوص والآثار من الاطلاقات على هذا الفسق العملي:

فيسمى القاذف فسقًا، كما جاء في قوله تعالى:} وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [4] {[سورة النور].

ويطلق على الكاذب فاسقًا، كما في قوله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [6] {[سورة الحجرات].

وتسمى محظورات الإحرام فسوقًا، حيث يقول تعالى:} الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ... [197] {[سورة البقرة] فالفسوق ها هنا محظورات الإحرام كما اختاره ابن جرير وغيره.

ويعد التنابز بالألقاب فسوقًا، كما في قوله تعالى:} وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ... [11] {[سورة الحجرات].

وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الرويبضة فويسقًا، فقال عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ] قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ: [الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ] رواه أحمد، وقال ابن كثير في النهاية1/ 57] عن هذا الحديث:'وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد من هذا الوجه'.

والرويبضة تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها.

وفي الجملة، فقد يقال: عن هذه المعاصي التي سميت فسقًا عمليًا أعظم ممن دونها من معاصٍ لم تسم فسقًا، وكما قال البيضاوي:'والفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي دل على عظمته كأنه متجاوز عن حده' [تفسير البيضاوي 1/ 72].

ضرورة عدم الخلط بين مفهوم الفسق عند أهل السنة، ومخالفيهم:

فمرتكب الكبيرة عند أهل السنة مع أنه فاسق بكبيرته، إلا أنه لا يخرج من الإيمان بالكلية، فيمكن اجتماع الإيمان مع هذا الفسق الأصغر ـ كما هو مقرر عند أهل السنة ـ، ومن ثم فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له برحمته، وإن شاء عذبه بعدله، ومآله إلى الجنة فيما بعد؛ فأهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة ـ وإن دخلوا النار، أو استحقوا دخولها ـ فإنهم لابد أن يدخلوا الجنة.

يقول ابن تيمية ـ مقررًا هذه المسألة ـ:'ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال سبحانه:} فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ... [178]} {[سورة البقرة]. وقال سبحانه} وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [9] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ... [10] {[سورة الحجرات].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير