[حكم الجمع في السفر]
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[14 - 01 - 04, 06:51 م]ـ
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
الأصل أن كل عبادة وقت لها الشارع وقتا معينا تؤدى في وقتها المشروع إلا أن يدل دليل على جواز إخراجها عن وقتها إما لضرورة أو حاجة.
قال تعالى {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (5) سورة الماعون أي يؤخرونها عن وقتها و قد روى الشيخان و أصحاب السنن و مالك و أحمد و غيرهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا».
و من الرخص التي أباحها الشارع في أوقات الصلوات رخصة الجمع بين الصلاتين و جمع الصلوات يكون بين الظهر و العصر فيؤخّر الظهر إلى وقت العصر، أو يقدّم العصر إلى وقت الظهر.
و يكون أيضاً بين المغرب و العشاء فيؤخّر المغرب إلى وقت العشاء، أو يقدّم العشاء إلى وقت المغرب.
أمّا صلاة الفجر فلا تجمع مع غيرها تقديماً و لا تأخيراً بإجماع أهل العلم.
و الأعذار التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه و سلم هما السفر و المطر و ألحق بهما غيرهما للعموم المعنوي.
فأما المطر فالأصل في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وزاد مسلم من غير خوف ولا مطر ولا سفر و وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.
و أما السفر فلحديث بن عمر في الصحيحين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة).
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (والقصر سببه السفر خاصة لا يجوز فى غير السفر وإما الجمع فسببه الحاجة والعذر فإذا إحتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل وكذلك الجمع للمطر ونحوه وللمرض ونحوه ولغير ذلك من الأسباب فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة ولم يرد عن النبى أنه جمع فى السفر وهو نازل إلا فى حديث واحد ولهذا تنازع المجوزون للجمع كمالك والشافعى وأحمد هل يجوز الجمع للمسافر النازل فمنع منه مالك وأحمد فى إحدى الروايتين عنه وجوزه الشافعى وأحمد فى الرواية الأخرى ومنع أبوحنيفة الجمع إلا بعرفة ومزدلفة).
فالمسافر الجاد غير النازل فلا خلاف في جواز جمعه بين الصلاتين لأن السفر قطعة من العذاب كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم و التحفيف بالجمع بين الصلاتين رفع للحرج عن المسافر و هذا يدخل ضمن قاعدة عامة معلومة من الدين بالضرورة و هي قاعدة رفع الحرج عن هذه الأمة كما أن القصر مشروع في السفر بل هو سببه فكذلك جاز الجمع و إن كان الجماع رخصة و القصر سنة و لكن كلاهما يدخل في هذه القاعدة.
أما المسافر النازل في غير بلده و هو غير مستوطن و إنما نزل لحاجته ثم يكمل مسيره فهذا اختلف أهل العلم في جواز جمعه بين الصلاتين فأبو حنيفة رحمه الله تعالى يمنع مثل هذا من الجمع و يجعل جمع النبي صلى الله في عرفة و مزدلفة خاصة بهما و لا يجوز الجمع في غيرهما.
و مالك و أحمد في أحدى الروايتين يمنع ذلك.
و أجاز ذلك الشافعي و وافقه أحمد في روايته الأخرى.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لِأَجْلِ النُّسُكِ كَمَا تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد. وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّهِ؛ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْمَكِّيَّ مِنْ الْقَصْرِ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْجَمْعِ وَقَالَ فِي جَمْعِ الْمُسَافِرِ: إنَّهُ يَجْمَعُ فِي الطَّوِيلِ كَالْقَصْرِ عِنْدَهُ وَإِذَا قِيلَ: الْجَمْعُ لِأَجْلِ النُّسُكِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجْمَعُ إلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ كَمَا تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجْمَعُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجَمْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرًا وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ).
و الحق أنه إذا جد به السير في السفر جمع بين الصلاتين تقديما أو تأخيرا و إذا احتاج إلى الجمع بين الصلاتين في السفر و إن كان نازلا جاز له ذلك رفعا للحرج عنه كما يجمع بين الصلاتين في الحضر و كما جمع النبي صلى الله عليه و سلم في مزدلفة لحاجته لذلك فأما إذا لم تكن هناك حاجة فلا يجوز له ذلك و الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجمع بين الصلاتين في منى و لو كان مشروعا لما تركه النبي صلى الله عليه و سلم مع وجود المقتضى و هو السفر كما في صيحيح البخاري (عن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه قلت أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطح ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك).
فدل على أن الجمع للمسافر النازل مقرون بالحاجة كما هو الجمع في الحضر أما القصر فهو سنة و ليس برخصة لذا جاز القصر في السفر مطلقا سواء جد به السير أم كان نازلا لما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم و هو في حكم المرفوع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَة رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ) و قالت عائشة رضي الله عنه (الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ. قَالَ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ) و قال بن عمر رضي الله عنه (: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ).
و الله اعلم.
¥