لا تحقر شيئاً من عمل غد أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قل، فإن من قليل الأعمال يجتمع كثيرها، وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل.
لا تحقر شيئاً مما ترجو به تثقيل ميزانك يوم البعث إن تعجله الآن وإن قل، فإنه يحط عنك كثيراً، لو اجتمع لقذف بك في النار.
الوجع والفقر والنكبة والخوف، لا يحسن أذاها إلا من كان فيها، ولا يعلمه من كان خارجاً عنها.
وفساد الرأي، والعار، والإثم لا يعلم قبحها إلا من كان خارجاً عنها، وليس يراه من كان داخلاً فيها.
الأمن والصحة والغنى، لا يعرف حقها إلا من كان خارجاً عنها، وليس يعرف حقها من كان فيها.
وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة، لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها، ولا يعرفه من لم يكن من أهلها.
أول من يزهد في الغادر، من غدر له الغادر، وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به، وأول من تهون الزانية في عينه، الذي يزني بها.
كثرة المال ترغب، وقلته تقنع.
كثرة وقوع العين على الشخص يسهل أمره ويهونه.
لا يغتر العاقل بصداقة حادثة له أيام دولته؛ فكل أحد صديقه يومئذ.
لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله، فإن من نقل إليك كذباً رجع من عندك بحق.
ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك، ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك.
من استخف بحرمات الله تعالى فلا تأمنه على شيء مما تشفق عليه.
من قبيح الظلم الإنكار على من أكثر الإساءة إذا أحسن في الندرة.
لم أر لإبليس أصيد، ولا أقبح ولا أحمق من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته: إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله، والثانية، استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس، أو أن يسيء في وجه ما، لأنه قد أساء في غيره، فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر ومدخلتين له.
استعمل سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب، واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ، فتربح راحة النفس.
حد الجود وغايته أن يبذل الفضل كله في وجوه البر، وأفضل ذلك في الجار المحتاج، وذي الرحم الفقير، وذي النعمة الذاهبة، والأحضر فاقة.
ومنع الفضل من هذه الوجوه داخل في البخل، وعلى قدر التقصير والتوسع في ذلك يكون المدح والذم، وما وضع في غير هذه الوجوه فهو تبذير، وهو مذموم.
وما بذلت من قوتك لمن هو أمس حاجة منك فهو فضل وإيثار، وهو خير من الجود، وما منع من هذا فهو لا حمد ولا ذم، وهو انتصاف.
بذل الواجبات فرض، وبذل ما فضل عن القوت جود، والإيثار على النفس من القوت بما لا تهلك على عدمه فضل، ومنع الواجبات حرام، ومنع ما فضل عن القوت بخل وشح، والمنع من الإيثار ببعض القوت عذر، ومنع النفس أو الأهل القوت أو بعضه نتن ورذالة ومعصية.
والسخاء بما ظلمت فيه، أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر، والذم جزاء ذلك لا الحمد، لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك.
حد الشجاعة بذل النفس للموت عن الدين، والحريم، وعن الجار المضطهد، وعن المستجير المظلوم، وعن الهضيمة ظلماً في المال والعرض، وفي سائر سبل الحق، سواء قل من يعارض أو أكثر.
والتقصير عما ذكرنا جبن وخور، وبذلها في عرض الدنيا تهور وحمق.
حد العفة أن تغض بصرك، وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحل لك، فما عدا هذا فهو عهر.
حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه. وحد الجور أن تأخذه ولا تعطيه.
وحد الكرم أن تعطي من نفسك الحق طائعاً، وتتجافى عن حقك لغيرك قادراً، وهو فضل أيضاً، وكل جود كرم، وفضل وليس كل كرم، وفضل جوداً. فالفضل أعم، والجود أخص، إذ الحلم فضل وليس جوداً، والفضل فرض زدت عليه نافلة.
كانت في عيوب، فلم أزال بالرياضة، وإطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم والأفاضل من الحكماء المتأخرين، والمتقدمين في الأخلاق، وفي آداب النفس، أعاني مداواتها، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنه، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمة الحقائق، هو الإقرار بها ليتعظ بذلك متعظ يوماً، إن شاء الله.
فمنها: كلف في الرضاء، وإفراط في الغضب، فلم أزل أداوي ذلك حتى وقفت عند ترك إظهار الغضب جملة، بالكلام والفعل والتخبط، وامتنعت مما لا يحل من الانتصار، وتحملت من ذلك ثقلاً شديداً، وصبرت على مضض مؤلم، كان ربما أمرضني وأعجزني ذلك في الرضا، وكأني سامحت نفسي في ذلك لأنها تمثلت أن ترك ذلك لؤم.
ومنها دعابة غالية، فالذي قدرت عليه فيها إمساكي عما يغضب الممازح، وسامحت نفسي فيها، إذ رأيت تركها من الانغلاق ومضاهياً للكبر.
ومنها عجب شديد، فناظر عقلي نفسي بما يعرفه من عيوبها، حتى ذهب كله، ولم يبق له والحمد لله أثر، بل كلفت نفسي احتقار قدرها جملة، واستعمال التواضع.
ومنها محبة في بعد الصيت والغلبة، فالذي وقفت عليه من معاناة هذا الداء الإمساك فيه عما لا يحل في الديانة، والله المستعان على الباقي.
ومنها إفراط في الأنفة بغضت إلي إنكاح الحرم جملة بكل وجه، وصعبت ذلك في طبيعتي، وكأني توقفت عن مغالبة هذا الإفراط الذي أعرف قبحه لعوارض اعترضت علي، والله المستعان.
ومنها حقد مفرط، قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره، وغلبته على إظهار جميع نتائجه، وأما قطعه ألبتة فلم أقدر عليه، وأعجزني معه أن أصادق من عاداني عداوة صحيحة أبداً.
¥