حديث عائشة ليس فيه عموم في العبادات، بل عموم في شأن العبد وأمره .. وأما مالذي أخرج العبادات من هذا العموم مع قوله (وطهوره) ثم (وشأنه كله) وطهوره جزء من كل، فالجواب من وجهين:
أولهما: أن لفظ (الطهور) لا يسلم أنه عبادة كله، فمنه ما هو من شأن العبد كالتنظف والتنزه ..
أما في شطر التطهر الآخر (العبادة) فليس لك أن تشرع التيامن فيه إلا بدليل، مثاله: ليس لك أن تشرِّع سنيَّة مسح الأذن اليمنى قبل اليسرى إلا بدليل! ولا مسح شق الشعر الأيمن قبل الأيسر كما نقوله في الحلق إلا بدليل
ثانيهما: يدفع الاحتجاج بعموم (وشأنه) في العبادات حديث عائشة الآخر في الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فالأصل في العبادات الحظر والمنع.
أما المطالبة بسلف في المنع، فهذا ما ينبغي صدروه من مثلكم، ففرق بين مطالبة المشرِّع، وبين من بقي على الأصل من الحظر!
فأنت ناقل عن الأصل، وسلفك إما حديث أرى ضعفه، أو أثر عن صاحب لا إسناد له! اهـ.
أقولُ: جوابك فيه غرابة جدا!
فقولها 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في (شأنه كله) عام في كل شؤنه ليس فقط شؤون الطهارة .. وهذا ظاهر من النص.
وقولك: الطهور لا يسلم إنه عباده كله ... لا خلاف فيه .. لأننا لم نستفد العموم من لفظ الطهور .. استفدنا العموم من (شأنه كله) الذي الطهور بكافة أشكاله جزء من أجزاء الشأن ..
ثم قلتَ: أما في شطر التطهر الآخر (العبادة) فليس لك أن تشرع التيامن فيه إلا بدليل.
أقولُ: هذا هو الدليل (وشأنه كله) .. وما معنى العمل بالعموم إذاً. والأمثلة قد رددت عليها سابقا.
ثم قلتَ: يدفع الاحتجاج بعموم (وشأنه) في العبادات حديث عائشة الآخر في الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)،
أقولُ: سبحان الله! جوابك عجيب!
كيف تجعل من عمل بالنص الصحيح محدثا! في الأمر؟
من عمل بعموم النص: يكون قد عمل بما أوجبه عليه مقتضى النص من العمل بالعموم =
أنه عمل بأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - = فيكون لم يحدث في أمره بل هو متبع لأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثم قلتَ: فالأصل في العبادات الحظر والمنع.
أقولُ: هذا مما لا أخالف فيه قطعا .. لكني هنا معي الدليل الرافع للحظر والمنع، فيما يتناوله من عموم.
ثم قلتَ: أما المطالبة بسلف في المنع، فهذا ما ينبغي صدروه من مثلكم، ففرق بين مطالبة المشرِّع، وبين من بقي على الأصل من الحظر!
فأنت ناقل عن الأصل،
أقولُ: أنا أطالبك بسلف في فهمك من هذا الحديث ما تقدم، وهو الذي خلفك عن العمل بالنص ... وأبقاك في الأصل الذي عمل به غيرك من العلماء ..
والآن أقول: يكفي هذا القول ضعفا، أن من تبناه لم يجد عالما واحدا! أقول: واحدا وافقه على ذلك! ..
ولذا هرع إلى القول ببقائه على الأصل.
ثم قلتَ: وسلفك إما حديث أرى ضعفه، أو أثر عن صاحب لا إسناد له!
أقولُ: الكلام هنا ظني فالحديث الذي تضعفه، يقويه غيرك .. من العلماء وتقويه قواعد الشريعة، وفعل الصحابة، وعمل الأمة.
وأما أثر ابن عمر فقولك: لا إسناد له ليس بجيد!
فلو قلتَ: لم أره موصولا .. كما قال الحافظ ابن حجر،
لكان أسلم لك من النفي المطلق!
فأنت تتفق معي أنك، ومن وافقك لم تطلعوا على كل الأحاديث، والآثار قطعا،
وتتفق معي أيضا أن البخاري رحمه الله: لا يكذب، ولا ينسب بهذه الصيغة أمرا لا وجود له و لا إسناد ..
بقي القول إنك لم تره مسندا لتعلم مدى صحته!
أقولُ: يكفيك فيه تصحيح البخاري، بعزوه بهذه اللفظة، وقد نقلتُ: لك فيما سبق ما قرره الحفاظ في قبول مثله، فلا يحسن تنكب طريقهم ..
وها أنت في حديث أنس الظاهر إسناده، اكتفيت بتقليد البيهقي ووسعك تقليده فيه!
أفلا يسعك تقليد من هو أعلم، وأمكن من البيهقي وهو:
البخاري، يالبخاري. (إبتسامة).
ـ[البخاري]ــــــــ[26 - 02 - 04, 06:29 م]ـ
الأخ الشيخ الأجل عبدالرحمن السديس:
ليتني أخلص إليك، وأمسك بتلابيبك، وأرجفك رجفة وأقول: يا سديس! لله درّك، وحفظ الله عشرك، ونفع بك، لكن:
ما زادني نقاشي معك، إلا تمسكاً بعدم مشروعية التيامن بدخول المسجد، وعموم قوله (وشأنه كله) في أمر العبد فحسب، وأما العبادات فلا عموم، فإن ثبت نص أو أثر، ووجد إسناد يصح عن ابن عمر فأنا أقول به، وإلا فلا ..
والعذر عن مواصلة النقاش الذي أراه سيفحش طولاً، فالنقاش في هذه المسألة سيطول جداً ولي على ما تطرحه إشكالات، وأنت تستدل بعمومات في أكثر طرحك، مع فرعيات لا تسّلم لك، يلزمني نقدها، ونقدها يخرجنا عن مسألتنا وتتسع الدائرة
وإن كنت في مسقط رأسك (المفترض) وهو القريب منّا، أو زرته إن كنت بعيد عنه، فأرحب بك وأسعد بلقياك لتحرير هذه المسألة وغيرها، فإن زرتني أو زرتك فالفضل في كل الحالين لك ..
البخاري
بريده
¥